للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي الحادي عشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

هل عندنا أدبٌ للأطفال

أ. جودت فخر الدين

كثيرةٌ عندنا هي الكتابات التي تُكتب ُتحت عنوان «أدب الأطفال» وتدَّعي انتماءً إليه، قِصصاً كانت أو أشعاراً أو غيرَ ذلك. وكثيرةٌ هي الدراسات التي تتناول «أدب الأطفال» عندنا، متحدّثةً عن أبعاده النفسية والتربوية والاجتماعية وغيرها. إلى ذلك، تُعقَد في البلدان العربية من حين ٍإلى آخَر مؤتمراتٌ وندواتٌ حول أدب الأطفال، يحضرها «مختصّون»، أو بالأحرى مهتمّون بشؤون الطفل، لتناول القضايا التي تتّصل بأدب الأطفال، ولتدارس المشكلات التي يثيرها أو يعاني منها. ولكنْ، ما نتائج هذا كلّه؟ هل يمكننا القول إنّ هذا كلَّه قد أنتج فعلاً أدباً عربياً للأطفال؟ أي أدباً للأطفال باللغة العربية؟
من الطريف والمؤسف في آن ٍ واحد ٍ أنّ المتحمّسين عندنا لأدب الأطفال، لا يركّزون كثيراً على الكلمة الأولى من هذا العنوان «أدب الأطفال». وهؤلاء
الأشخاص قسمان: الذين يكتبون للأطفال ما يسمّونه أدباً، والذين يُنظِّرون لِما يفترضونه «أدب أطفال»، مع الإشارة إلى أنّ عدد المنخرطين في القسم الأول أو في القسم الثاني ذاهبٌ في الارتفاع، وهنالك الكثيرون الذين ينخرطون في القسميْن معاً.
الذين يكتبون للأطفال يستسهلون مهمّتهم استسهالاً كبيراً. إنهم يستضعفون الأطفال، ويحسبون أنّ الكتابة للصغار أهونُ وأيسرُ من الكتابة للكبار، فيما هي أكثرُ دقةً وخطورةً وتقتضي من الإمكانات وحُسْن الذوق وصواب الحدْس ما تقتضيه الكتابة للكبار، وربّما أكثر. ما نسوقه هنا ينطوي على تعميم ٍلا نريدُهُ صارماً تماماً، خوفاً من إجحاف ٍما. ولهذا نفترض أنّ هنالك استثناءاتٍ جيدةً في الكتابات العربية للأطفال، وإنْ كانت قليلةً جدّاً، بل نادرة.
إن معظم ما يُكتب عندنا للأطفال من قصص ٍأو أشعارٍ أو سيناريوهات لا يتمتّع بمقوّماتٍ أدبيةٍ كافية، ولا يعطي الأولوية لنوعية الكتابة، أي لشكلها الأدبي أو لكيفية صياغتها، وإنما يعطي الأولوية لموضوعٍ من هنا أو موضوعٍ من هناك. والموضوع ـ كما هو معروف ـ ليس له إلا قيمة ثانوية في الكتابة الأدبية، وإنْ كانت هذه الكتابة موجَّهةً إلى الصغار أو الأطفال، وإنْ كانت هنالك موضوعاتٌ تناسِب الأطفال أكثر من غيرها. فتصنيفُ الموضوعات في الكتابة للأطفال لا يعطيها أولويةً في هذه الكتابة.
كيف تكون القصص والأشعار الموجَّهة إلى الأطفال كتاباتٍ أدبيةً إذا كانت مليئةً بالأخطاء اللغوية أو العروضية، وبالصِّيَغ الركيكة أو المعقَّدة، فضلاً عن افتقارها إلى الشحنات التخييلية والصُّوَر المبتكَرة، قصوراً من الكُتّاب أو ظناً منهم بأن الطفل يصعب عليه مجاراةُ الجديد أو المبتكَر. فمعظم الكُتّاب يميلون إلى ما هو تعليميٌّ أخلاقيّ، انطلاقاً من فهمٍ تقليديٍّ لذلك. وهم يحسبون أنّ السهولة التي ينبغي توفُّرُها في الكتابات الموجَّهة إلى الأطفال تعني شيئاً من السطحية أو السذاجة. وهذا من شأنه أنْ يؤدّيَ إلى نتائجَ عكسيةٍ في المستوى التعليمي أو الأخلاقي. فالسهولةُ مطلوبةٌ في كلِّ عملٍ أدبيٍّ ، للصغار كان أو للكبار. ولكنّ السهولة المطلوبة لا تتناقض مع القدرة والعمق والابتكار، وإنما تتناقض مع التعقيد والتشوّش والتكرار الممجوج.
إذاً، الاستسهال لدى الكُتّاب عندنا لا يقود ـ في الغالب ـ إلى تحقيق السهولة، وإنما يقود إلى تسطيحٍ يُفقِدُ كتاباتهم الكثيرَ من المقوّمات الأدبية. وهو يؤدّي من ناحيةٍ ثانيةٍ إلى تزايد الكُتّاب الذين أخذت كتاباتهم تملأ الكُتُب المدرسية. وللأسف لا تقفُ وراء هذه الكُتُب سياسةٌ تربويةٌ سديدة. ولهذا نلاحظ أن النصوص (الأدبية) التي تُقدَّم للصغار في هذه الكُتُب إنما تدفعهم إلى النفور من الأدب، وبالأخصّ من الشعر الذي يُرغَمون على حفظ النصوص الرديئة منه.
بعد كلامنا على الكُتّاب، نأتي إلى القول إنّ المنظِّرين والدارسين الذين يتناولون «أدب الأطفال» عندنا قلّما يهتمّون بأدبيته، أي بالعناصر التي من شأنها أنْ تحدِّدَ مستواه الأدبي، وإنما ينصرفون إلى الكلام على أبعادٍ نفسيةٍ أو اجتماعيةٍ أو وطنيةٍ أو قوميةٍ يجدونها في النصوص التي ينطلقون منها أو يُعلِّقون عليها. وهم في غالبيتهم لا يملكون القدرة على الخوض في تحليلاتٍ أدبيةٍ تكشف عن القيَم الجمالية للنصوص التي يتناولونها. ولهذا، يستغرقون في تحليلات يمكنها أن تنطبق على نصوص غير أدبية، بينما هم في صدد الكلام على قصة أو قطعة شعرية أو غير ذلك.
ليت المعنيين عندنا بشؤون الطفل وبشؤون الأدب يُحْسِنون التركيز على أنّ «أدب الأطفال» ينبغي أن يكون أدباً في المقام الأول.
الأشعار الموجَّهة إلى الصِّغار:
كارثةٌ تربوية
قد تكون المشاكل في مناهجنا وبرامجنا التعليمية والتربوية أكثرَ من أنْ تُحْصى. إلا أنّ أكثرها إثارةً للسخط هي تلك المتعلِّقة بالأشعار الموجَّهة إلى الصغار. فهي في معظمها عديمةُ الفائدة، بل ليتها كذلك فحسب، إنما هي مضرّةٌ على نحْو ما، لأنها تشكِّلُ خطراً على الذوْق والحسِّ لدى الصغار، وتجعلهم في أغلب الحالات يكرهون الشعر واللغة العربييْن.
معظم الشعر العربي الذي يُكتب خصيصاً للصغار، الأطفال منهم والأولاد، والذي يوضَع في كتُب القراءة العربية التي تُعتمَدُ في المدارس، معظم هذا الشعر ليس بشعر، ونستطيع أنْ نُطْلِقَ الحُكْمَ عينَهُ على معظم الشعر الذي يُنْشَرُ في المجلات العربية الموجَّهة إلى الصغار، أو المتخصِّصة ـ بحسب التعبير الشائع ـ بأدب الطفل أو أدب الأطفال.
يحسبُ الكثيرون من الكُتّاب العرب أنّ الأطفال أو الأولاد يمكنهم أنْ يتلقَّوْا المادّة الأدبية، وبالأخصّ الشعرية، عندما تكون هيِّنةً وسطحيةً وساذجة. إنهم في الغالب يستخفّون بعقول الأطفال ومشاعرهم ومخيّلاتهم. وهؤلاء الكُتّاب هم الذين تنقصُهم الرجاحةُ والرهافةُ ودقّةُ الحدْس وبُعْدُ المخيّلة. هكذا نجدُ الكثيرين من ذوي الادِّعاءات لا الكفاءات يتصدّون لمهمة الكتابة للصغار، وهم لا يملكون أدنى المقوّمات لهذه المهمة، التي هي أصعبُ من الكتابة للكبار إذا تمَّ القيامُ بها على الوجه المطلوب.
إنّ استسهالَ الكثيرين من الكُتّاب ضِعاف القرائح مهمّةَ الكتابة للصغار، أدّى إلى انتشار ذلك الشعر الذي قُلْنا إنه ليس بشعر. وكيف لنا أنْ نَصِفَهُ بغير ذلك إذا كان يفتقرُ إلى اللغة السليمة، ويفتقرُ إلى الموسيقى أو الوزن المستقيم، ويفتقرُ في الدرجة الأساسية إلى الشاعرية، أي إلى العناصر الإيحائية التي من شأنها ـ إذا توفّرتْ ـ أنْ تهذِّبَ الحسَّ وتصقلَ الذهنَ وتُطْلِقَ الخيالَ وتُخْصِبَ الفكر؟
هل يُعْقَلُ أنْ نجد في الكُتُب والمجلات، التي ندعو صغارَنا إلى قراءتها والتعلُّم منها، كتابات (شعرية) مليئةً بالأخطاء النحْوية، ومليئةً بالاختلالات الوزنية، ومجافيةً حتى للذوْق أو الحسّ السليم. لكأنّ أصحابَ هذه الكتابات لا يملكون سوى الرغبة في الكتابة، فيما هم يجهلون أبسطَ مقوّماتها، ولا يملكون من القدرة عليها سوى التنطُّح أو التوهُّم. إنهم في كتاباتهم تلك يريدون اللغةَ إنما يخطئون السلامةَ فيها، كي لا نقول المتانةَ والسلاسة. وهم يريدون الوزنَ أو التشكيلات العروضية، إلا أنهم ـ بسبب من سذاجتهم ـ يحسبونها رصْفاً للجُمَل التي تنتهي بما يشبهُ القوافي. وهم يريدون الصُّوَر الشعريةَ ويحسبونها تأتي من تسفيههم الظواهر والموضوعات كي تكون ـ بحسب ما يظنّون ـ قريبةً من الأطفال والأولاد!
كيف لمثل هذه الكتابات السقيمة، العقيمة، أن تؤسِّسَ لدى صغارنا إقبالاً على الشعر؟ إنها لن تؤسِّسَ لديهم إلا عزوفاً عن الشعر، وكذلك عن اللغة العربية. وهل يعوِّضهم عن ذلك تنميةُ اهتماماتهم بأمور أو نشاطات أخرى، في رأسها الموادّ العلمية التي من شأنها أنْ تضَعَ أجيالنا الصاعدة في صورة العصْر ومستجدّاته؟ في نظري، لن يعوِّضَهم عن ذلك شيء، لأن الأساس اللغوي المتين هو الذي يهيِّئ لهم استعداداً أقوى للاستيعاب والإبداع في مختلف الموادّ وفي شتّى المجالات. فالأساسُ اللغويُّ المتينُ هو في الوقت نفسِهِ أساسٌ فكريٌّ متين. إنّ إتقانَ اللغة ِوالعيشَ فيها والتفكيرَ والتنفُّسَ في حقولها، شروطٌ أساسيةٌ لبناء شخصية ٍقادرة ٍعلى الانطلاق والتحليق في فضاءات المعرفة المتنوّعة. وأبرز ما يساعد على توفُّر هذه الشروط لدى أجيالنا الإقبالُ على الشعر وإتقانُ التعاطي بشأنه قراءةً أو كتابةً أو استماعاً. فالشعرُ العربيُّ واللغةُ العربيةُ يربطهما قدَرٌ واحد، يسيران يداً بيد، ويتّجهان إلى مصير ٍواحد.
إنّ ما يُقدَّمُ اليومَ من أشعار إلى صغارنا، في الكُتُب والمجلات... وغيرها، ينبغي العملُ على الحدِّ من خطورته، أي من إفساده لمسيرة النمُوِّ لدى أطفالنا وأولادنا. وليس في هذا الكلام ما يدعو إلى الحدِّ من حرية الكتابة، وإنما فيه ما يدعو إلى النهوض بمستواها. علينا أنْ نقدِّمَ لصغارنا الأقوى والأجملَ والأمتع، فلا نترك الكتابةَ الأدبيةَ الموجَّهةَ إليهم نهْباً لقليلي الإمكانات أو شحيحي المواهب.

السفير

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية