|
|
|
|

تاريخ التآمر على الحرف العربي
أ. محمد القدوسي
الدعوة إلى كتابة اللغة العربية بالحروف اللاتينية، التي يتبعها البعض الآن جهلاً وقلة تبصر في العواقب، افتتحها عميل للاستعمار، هو "داود الجلبي الموصلي" الذي نشر في 1905 رسالة بالتركية في إسطنبول، حثّ فيها الترك والعرب والفرس على استعمال الحروف اللاتينية، وكانت اللغات الثلاث تكتب بالحروف العربية آنذاك، قبل أن تتحول التركية فعلاً إلى الحروف اللاتينية، على يد "مصطفى كمال أتاتورك" الذي ألغى في 1924 الخلافة الإسلامية والكتابة والأذان بالعربية.
ثم جاء جاء دور المستشرق الصهيوني "لويس ماسينون" بمحاضرة ألقاها بين جمع من الشباب العربي في باريس 1929، وهي محاضرة زعم فيه أنه لا حياة للغة العربية إلا إن كتبت بحروف لاتينية. ثم تلقف دعوة الكتابة بالحروف اللاتينية وتبناها في مصر "عبد العزيز باشا فهمي" عضو المحفل الماسوني، الذي دعا إلى استبدال الحروف اللاتينية بالحروف العربية، وطرح فكرته هذه في الجلسة التي عقدها مجمع اللغة العربية في 3 من مايو 1943، كما قدم إلى مؤتمر المجمع في جلستي 24 و31 من يناير 1944 ورقة عنوانها "اقتراح اتخاذ الحروف اللاتينية لرسم الكتابة العربية" وطبعت الورقة في المطابع الأميرية بالقاهرة في فبراير من العام نفسه، ويسترعي الانتباه أن الاقتراح قدم في 39 صفحة، لكن الدفاع عن الاقتراح استغرق 136 صفحة، وبرغم ذلك رفض رفضا باتا، وفند بحيث لم يبق منه شيء.
وممن رفض هذه الدعوة المدلسة، من غير العرب، مدير مدرسة اللغات الشرقية في لندن "إدوارد بنسون" الذي قال "إن الحروف العربية هي حروف لغة القرآن، وإذا مسستم الحروف العربية مسستم القرآن، بل هدمتم صرح وحدة الإسلام، لأن الإسلام أساسه اللغة العربية، فإذا ضاعت ضاع الإسلام".
وما يكشف حقيقة الدعوة لكتابة العربية بالحروف اللاتينية، أن دعاة الحرف اللاتيني من مطلع القرن العشرين وحتى قبيل منتصفه، كانوا يتذرعون بصعوبة الطباعة بالحروف العربية، لدرجة أن كثيرين شغلوا أنفسهم بمقترحات تيسير الطباعة بالعربية، وهي ذريعة سقطت تماما، حيث تطبع الحروف الآن بمجرد لمس لوحة المفاتيح، ولم يعد هناك من جهد يبذل في التنضيد والصف، بل إن برامج الحاسوب تحول الكلام المنطوق إلى سطور مكتوبة مباشرة، فلماذا نهجر حروفنا ونهدر الجانب المكتوب من ذاكرتنا؟
إن سقوط الذريعة مع بقاء الدعوة يؤكد أننا أمام مؤامرة، واسألوا أنفسكم: إذا كان أتاتورك هجر الحرف العربي إلى اللاتيني لتبسيط الكتابة كما زعم، فلماذا حظر رفع الأذان وقراءة القرآن بالعربية؟ هل كان في نطق العربية صعوبة تعوق الناطقين؟ وإن كانت هناك صعوبة، فلماذا تحريم الأذان والقرآن بالذات، لماذا لم يحرم أتاتورك الغناء بالعربية مثلاً؟
بوابة الشرق
|
|
|
|
|
|