للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي الحادي عشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

فرض العامية على الجزائريين‮.. ‬إنجاز ما عجزت عنه فرنسا

أ. عبد الحميد سرحان

وزارة التربية التي‮ ‬تترأسها نورية بن‮ ‬غبريط خرجت علينا في‮ ‬جريدة‮ "‬الخبر‮" ‬بتاريخ‮ ‬28‮ ‬جويلية‮ ‬2015‮ ‬في‮ ‬الصفحة‮ ‬4‮ ‬المخصصة لأخبار الوطن بخرجة‮ "‬عارية‮" ‬على لسان مفتش التربية السيد نجادي‮ ‬مسقّم الذي‮ ‬يصرح فيها بأن الدراسة في‮ ‬الابتدائي‮ ‬ستكون العام المقبل‮ ‬بالدارجة بحجّة‮ "‬التدرج في‮ ‬تعليم اللغة العربية في‮ ‬الطور الابتدائي‮ ‬واستعمال مختلف اللهجات المحلية وذلك لتفادي‮ ‬صدم التلميذ الجديد الذي‮ ‬يلتحق بالمدرسة‮".‬

وهذا لعمري‮ ‬العذر الذي‮ ‬هو أقبح من الذنب كما‮ ‬يقول المثل‮.‬

هذا التصريح الخطير باسم وزارة مسؤولة وتشرف على تشكيل مستقبل أجيال المجتمع الجزائري،‮ ‬يعدّ‮ ‬تصريحا خطيرا في‮ ‬غياب استشارة كفاءات المجتمع لإعطاء آرائهم،‮ ‬ويطرح عدة تساؤلات،‮ ‬ويوحي‮ ‬بعدة دلالات لا تبشّر بخير،‮ ‬ولا تدل على شيء‮ ‬يوحي‮ ‬بمستقبل واضح للجزائر المستقلة‮.‬

كل ما‮ ‬يمكن أن نستشفه من هذا أن وزارة التربية والجماعة القائمة بتسييرها،‮ ‬تريد أن تعود بنا إلى المربّع الأول لتعليم اللغة العربية في‮ ‬الجزائر في‮ ‬عهد الاستعمار البغيض‮. ‬

لست أدري‮ ‬لماذا‮ ‬يعاني‮ ‬هؤلاء من حساسية مفرطة تجاه اللغة العربية؟ وما هي‮ ‬المشاكل الموضوعية التي‮ ‬تعترضهم في‮ ‬تدريسها؟

وهل هناك أمة تدرس أبناءها بالدارجة؟ وما الفائدة من تعليم الدارجة؟ وأية دارجة نعلّم؟ هل هي‮ ‬دارجة وهران،‮ ‬أم قسنطينة وعنابة،‮ ‬أم تيزي‮ ‬وزو؟

لنسأل الفرنسيين أنفسهم الذين هم قدوة مسئولينا‮: ‬هل‮ ‬يدرسون باللهجات الدارجة في‮ ‬مدارس فرنسا على تعدد اللهجات والقوميات فيها؟

إن الفرنسيين‮ ‬يعتزون بعلمانيتهم ولا‮ ‬يؤمنون بقوانين العالم الآخر،‮ ‬ومع ذلك فهم أشد الناس حفاظا على لغتهم المعقدة،‮ ‬وعلى فصاحتها ونقاوتها،‮ ‬وارستقراطيتها،‮ ‬لأنهم‮ ‬يقدسونها تقديسا ويعملون على نشرها في‮ ‬بقاع العالم بنطقها وبصعوبتها،‮ ‬لأنهم‮ ‬يرون حياتهم وشخصيتهم فيها‮.‬

ونحن المسلمين نفرّط بسهولة في‮ ‬لغتنا،‮ ‬لغة القرآن الكريم ونحاول الهروب إلى الدارجة بحجة‮ "‬الصعوبة‮"‬،‮ ‬وخوفا من أن‮ "‬يُصدم‮" ‬بها الأطفال‮. ‬أي‮ ‬منطق هذا؟ وما هذا الهراء الذي‮ ‬نسمعه؟ متى كانت لغة القرآن الكريم صادمة للأطفال وهو هدى وشفاء؟ إن الأطفال‮ ‬يتعلمون القرآن الكريم ويحفظون سوره قبل أن‮ ‬يذهبوا إلى المدرسة،‮ ‬فكيف تصدمهم لغته؟ وحتى الأمازيغ‮ ‬الأطفال ليست لهم مشكلة مع‮  ‬لغة القرآن وليست بغريبة عليهم كما‮ ‬يتوهم الخبراء المزعومون‮.‬

إن وراء هذا الإجراء الذي‮ ‬تعتزم الوزارة القيام به أهدافا‮ ‬غامضة إن لم نقل مغرضة لا تقل بشاعة وفظاعة عن الأهداف الاستعمارية‮.‬

إن هذه الأهداف المغرضة الغامضة،‮ ‬يستنكرها كل شريف من الشرفاء الجزائريين الذين وقفوا سدا منيعا في‮ ‬وجه المخططات التدميرية للشخصية الوطنية،‮ ‬فحرروا الأرض من قبضته اللعينة وعقدوا العزم على استرجاع شخصيته العربية الإسلامية التي‮ ‬أوّل مظهر لها هو اللغة العربية إذ لا شخصية من‮ ‬غير لغة‮. ‬هذه الحقيقة‮ ‬يعرفها الاستعمار جيدا‮.‬

لنتذكر أن الاستعمار أول شيء قام به هو سن القوانين لتعطيل العمل باللغة العربية معتبرا إياها‮ "‬أجنبية‮" ‬في‮ ‬الجزائر،‮ ‬لأنها كانت تقلقه،‮ ‬ولأنه كان‮ ‬يعي‮ ‬جيدا أن أحسن وسيلة لنشر الوعي‮ ‬هي‮ ‬اللغة،‮ ‬وقد كانت اللغة العربية مؤهلة لذلك،‮ ‬ومن ثم منعها بقوة القانون،‮ ‬محاولا تعويضها بالدارجة،‮ ‬وهذا معروف لدى الجزائريين،‮ ‬ولكنه لم‮ ‬يفلح في‮ ‬ذلك طيلة‮ ‬132‮ ‬سنة‮.‬

ها نحن نفاجَئ من جديد بأن هناك من‮ ‬يريد أن‮ ‬يجعل الدارجة لغة للدراسة وللتعليم في‮ ‬الوقت الذي‮ ‬كان‮ ‬يجب أن نرى من الهيئة المشرفة على التعليم أن تسعى جاهدة من أجل تنمية اللغة وتطويرها عن طريق البحث والدراسة وإدخال الأساليب الجديدة التي‮ ‬تفيد الطالب والأستاذ معا،‮ ‬نرى منها الخوف على الأطفال من الاصطدام بهذه اللغة كأنها البعبع‮. ‬ويا له من عذر لتبرير استعمال الدارجة‮.‬

ماذا‮ ‬يحدث في‮ ‬الخفاء؟ ألا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يفسر هذا على أنه عرقلة مفضوحة للتعليم بالعربية؟ ألا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يفسر هذا على أنه إعاقة مدبرة‮  ‬لكبح تطور ونمو وانتشار اللغة العربية ليخلو الجو لصالح الضرّة،‮ ‬لغة المستعمر التي‮ ‬لا تزال بمكانة ويحفظها حراس المعبد؟

ألا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يوحي‮ ‬هذا بأن اللغة العربية التي‮ ‬تعدّ‮ ‬الخامسة في‮ ‬الأمم المتحدة،‮ ‬ويرددها مليار وخمسمائة مليون مسلم‮ ‬يومياً‮ ‬في‮ ‬صلواتهم،‮ ‬تعرقل في‮ ‬الجزائر في‮ ‬أرض المليون ونصف المليون شهيد؟

ماذا‮ ‬يدبر في‮ ‬الخفاء لهذا المجتمع الأصيل والكريم الذي‮ ‬استحق الحرية عن جدارة والذي‮ ‬لا‮ ‬يريد بديلا عن ثقافته وأصالته ولغته؟

إنه العار بعينه أن نرى بعد سبع سنوات من الكفاح الدامي‮ ‬وما‮ ‬يزيد عن الخمسين سنة من الاستقلال،‮ ‬من‮ ‬ينفخون في‮ ‬رماد الماضي‮ ‬ويريدون تثبيت اللغة الفرنسية في‮ ‬الجزائر بالقوة وعن طريق الوسائل الرسمية‮.‬

لا ندري‮ ‬ما هو المقابل لذلك،‮ ‬وماذا‮ ‬يستفيد المجتمع الجزائري‮ ‬من هذا الحماس لبقاء هذه اللغة التي‮ ‬أحدثت شرخا كبيرا في‮ ‬ذاتنا وأهانتنا في‮ ‬عقر دارنا؟

نحن لسنا ضد اللغة الفرنسية كلغة أجنبية في‮ ‬الجزائر،‮ ‬ولكننا ضد إيديولوجيتها التي‮ ‬ألحقت تخريبا وما زالت تلحقه بالبناء وبالشخصية الوطنية‮.        ‬

نقول لبن‮ ‬غبريط وجماعتها‮: ‬لا لهذا التوجه الخاطئ‮.. ‬لا لهذا الانحراف الخطير الذي‮ ‬ستنعكس آثارُه السيئة على مستقبل الأجيال في‮ ‬الجزائر،‮ ‬فوزارة التربية ليست مزرعة تصول فيها الوزيرة وتجول تزرع فيها ما تشاء ومتى تشاء في‮ ‬غفلة من رقابة المجتمع‮. ‬وستكون كلمة الشرفاء كل الشرفاء بصوت واحد‮: ‬لا‮. ‬

الشروق

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية