للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي الحادي عشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

لماذا العربية؟.. لماذا نحن؟

أ. عبد الجبار ربيعي




سأحاول في هذه السطور الموجزة الإجابة عن هذا السؤال الذي يحمل معنيين اثنين حتى لا يقال بلاغياً على الأقل إن العربية لغة تاريخية كأصحابها هذا السؤال مؤداه معنويا: لماذا تهاجَم العربية؟ ولماذا يجب أن ندافع عنها؟ في هذا الجزء سأجيب عن السؤال الأول وقبل أن أجيب أو أقدّم ما يشبه الإجابات سأدفع بهذه الحقيقة المحيرة عن العربية إلى ذهن القارئ حتى يكون مستعدا لما هو أغرب.

 حاول معي صديقي القارئ أن تفهم من أي منطلق كان: ثقافي- نفسي - اجتماعي.. ظاهرة تحصل بيننا وعلى مرأى أعيننا دون أن ننتبه إليها نحن، طبعا نعرفها لكننا لا ننتبه إليها، يمكن للعين كتمثيل للعقل البشري أن تلتقط فقط الصور والتفاصيل المركزية من مجموعة هائلة من الصور والتفاصيل حتى إننا إذا قوّمنا قدرتها على الإحاطة بما أمامها برويّة سنجد أن هذه العين في غاية الغباء المعرفي.

أعود إلى الظاهرة التي تحدثت عنها سأصورها بالشكل التالي: افترض أنك طالب في شعبة علم الاجتماع وطلب منك الأستاذ أن تقدم استبانة أو ما يسمونه استبيانا عن عدد الطلبة الذين يريدون بإلحاح دراسة تخصص اللغة العربية وآدابها.. ترى ما سيكون موقفك هل ستقوم بهذه الاستبانة فعلا؟ ماذا لو قمت بهذه الاستبانة؟ ماذا تتوقع أن تكون نتائجها؟ من الممكن جدا أن تطلب من أستاذك تغيير موضوع الاستبانة أو العرض عموما.. يدفعك إلى ذلك رغبتان ممتزجتان هما الحياء والاستعلاء.. ونحن نعلم أن الحياء شعبة من شعب الإيمان، لكننا نعلم أيضا أن أول معصية في الأرض كان سببها الكِبر أو الاستعلاء فحاصل ضرب السالب في الموجب رياضيا هو السالب طبعا، أي أن المسالة سلبية.. هذا يعني أن هناك مشكلة ما؟ هذا مجرد استنتاج من مقدمات، لكن الحقيقة يعرفها الجميع وهي أن أكثر الناجحين في البكالوريا، وفئة منهم قد تكون كبيرة أو صغيرة، نجحوا آليا فقط عن طريق الوسائل المعهودة.. أقول إن أكثر الناجحين في البكالوريا يستحيون من العربية ويستعلون عليها وفي مرحلة متقدمة يحتقرونها.. هناك مفارقات كثيرة جدا في هذه الحقيقة مثلا الطالب الذي ينجح بالغش يحتقر العربية.. الطلبة الذين يتكلمون باللسان العربي يحتقرون لغتهم.. البلاد التي يعيش فيها الطالب بلاد عربية وبيئته بيئة عربية.. لقد رأيت بنفسي كيف لا يضع الطالب الناجح حديثا في البكالوريا في حسبانه شيئا يسمى اللغة العربية وآدابها.

في الحقيقة، فإن أكثر من تسعين في المائة من الذين يدرسون  هذه الشعبة مجبرون على ذلك؛ لأن معدلاتهم لم تؤهّلهم لدراسة فروع أخرى.. طبعا أنظمة التعليم العالي في بلادنا ستمنحك فرصة مثالية للبقاء في مقابل إفناء العربية.. ماذا لو كنت نباتيا وأعطوك لحما مطبوخا لتأكله خمس سنوات كاملة، ماذا سيتبقى منك؟ أنت طبعا هو اللغة العربية وآدابها واللحم المطبوخ هو أنت أيضا أنت والعربية شيء واحد.. كثير جدا من المتخّرجين في هذه الشعبة وبعد قضاء ثلاث سنوات أو خمس سنوات في الدراسة لا يستطيع أن يتكلم جملة واحدة بالعربية.. لا يستطيع أن يكتب فقرة من إنشائه.. كل ما يستطيعه هو أن يكرر بعض ما حفظ وبطريقة عشوائية مثل الاحتمالات في الرياضيات تماما.. الاحتمالات طبعا هي نظرية رياضية - فيزيائية تسعى للبرهنة على الفلسفة المادية التي تنكر وجود الإله، كانت ردا على آينشتاين حينما حاول أن يوجد قوانين تحكم حركة أصغر الجزيئات في الضوء ليعممها على القوانين الكلية للكون ويثبت بذلك أن للكون خالقا يسيّر الكون بقوانين محددة.. لكن ميكانيكا الكم قالت غير ذلك: الاحتمالات العشوائية فقط هي التي تفسّر حركة الكون.. سنردّ نحن فلسفيا على نظرية الاحتمالات من خلال صديقنا طالب الأدب العربي الذي سيمنحنا فرصة ذهبية لدحض هذه النظرية.. إذا كان الطالب لا يستطيع أن يطبق قانونا موحدا لكتابة فقرة أو نص، فهذا يعني أنه لا يفكر بل يكتب بصورة عشوائية.. النص الذي يكتبه ليس نصا خاصا به إذن، بل هو ناتج الاحتمالية وصوابه وخطأه أو ضعفه وقوته ليس مرده إلى الطالب، ولكن إلى الشكل الذي أوجد فيه النص نفسه لحظة تشكله.. فهو ليس نصا إذن.. سؤال آخر: هل العربية سهلة إلى هذه الدرجة التي تجعل أدنى الطلبة علميا يوجهون إليها ويدرسونها.. وبعضهم يتفوق فيها، هذا مع تفوّقه في علامة امتحان البكالوريا في مادة الأدب العربي؟

لقد أوردت كل هذه الأسئلة والاستشكالات لأقول أمرا واحدا هو إن المشكلة لا تكمن في العربية؛ لأنها لم تختر لنفسها مثلا أضعف الطلبة علميا.. لم تقرر أن يكون معدل التوجيه إليها هو أدنى معدل بين جميع الفروع؛ نعم بين جميع الفروع، لاحظوا كلمة (جميع) جيدا.. لم تلزم العربية خريجيها بأن يحدثوا كوارث طبيعية في جملها ونصوصها وفي أثناء الكلام بها.. لم تمنح بنفسها العلامة المرتفعة في امتحانها للطلبة المهترئين.. بصراحة هل يفكر أكثر الأساتذة الجامعيين المختصين بالأدب العربي -وأنا واحدٌ منهم- في توجيه أبنائهم إلى هذه الشعبة المسكينة؟ أم يفكرون في فروع أخرى كالطب والصيدلة واللغات الأجنبية؟ مائة في المائة من الحالات التي كنت أسأل الطلبة الذين يوجهون لدراسة الأدب العربي كما يطلقون عليه، عن رغبتهم، كانت الإجابة بضرورة تغيير الشعبة وكانوا يسوقون أعذارا هامشية حياء منيّ..

أردت أن أقول إن مشكلة تدريس التلاميذ بالعامية في الابتدائي هي مسألة ثانوية نعم لأننا لا يمكن أن نهاجم العربية وأن ندافع عنها في الوقت نفسه.. علينا أن نختار أحد الأمرين.. إذا حدث واخترنا أحد الطريقين، فستكون العربية قد نجت حتى لو اخترنا أن نهاجمها.. لأن العربية عندئذ ستعرف عدوها من صديقها.. ليس بالضرورة أن نقول إن العربية سيئة.. حتى لو قلنا إن العربية عظيمة.. يكفي فقط أن نفعل بعض ما سلف ليكون هجومنا عليها أشد وأعنف وأخبث.. العربية تقول لنا:

فإما أن تكون أخي بصدق فأعرف منك غثِّي من سميني

وإلا فاطّرحني، واتّخذني عدوا أتّقيك وتتّقيني

هوامش:

* المشكلة لا تكمن في العربية؛ لأنها لم تختر لنفسها مثلا أضعف الطلبة علميا.. لم تقرر أن يكون معدل التوجيه إليها هو أدنى معدل بين جميع الفروع؛ نعم بين جميع الفروع، لاحظوا كلمة (جميع) جيدا.. لم تلزم العربية خريجيها بأن يحدثوا كوارث طبيعية في جملها ونصوصها وفي أثناء الكلام بها..

الشروق

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية