|
|
|
|

خرافة اللغة الجزائرية
أ. حميد روابة
ليست هناك لغة جزائرية، مثلما أنه ليس هناك لغة أمريكية، وليس هناك لغة استرالية، وليس هناك لغة نيوزيلاندية، ولا كندية.
لغة جميع هذه الدول هي الانجليزية. واللغة الفرنسية رسمية في بلجيكا وسويسرا وكندا، ولوكسمبورغ، وموناكو، العربية لغة الجزائريين، ولم أقل "الجزائريون لغتهم العربية" حتى لا يتحذلق علي المتحذلقون.
اللغة العربية لغة واحدة، وهي تلك التي يفهمها جميع العرب وجميع الناطقين بالعربية في كل قارات العالم، وهي اللغة التي يقرأ بها القرآن منذ قرون، هذا رغم تذمر المتحذلقين من "لغة القرآن"، ولكن تذمرهم لا يمنع أن العربية تبقى لغة القرآن، والقرآن مقدس عند المسلمين، والعربية ليست مقدسة، ومع ذلك فإن العربية صامدة منذ قرون، مشكلتها ربما أنها لم تندثر مثلما حدث مع اللاتينية، التي كانت لغة الإنجيل قرونا من الزمن.
وربما ذلك ما يريده لها المتذمرون من "القداسة" التي تحاط بها عند المسلمين والعرب، بمن فيهم غير المسلمين، وليس هناك لغة فصحى علميا، فكلمة فصحى غير موجودة في لسان العرب، إذ لا نجدها إلا في القواميس الحديثة، ولسان العرب يعرف الفصيح بأنه المتكلم الذي لسانه طلق، فهي صفة للمتكلم وليست للغة، لذلك ليس هناك لغة فصحى وأخرى غير فصحى.
الاختلاف الموجود في اللغة الواحدة ليس لغات متعددة، وإنما هو طبقات من لغة واحدة.
وهذا الاختلاف ليس ظاهرة خاصة باللغة العربية، بل ينسحب على جميع لغات العالم.
فاللغة الانجليزية فيها 180 لهجة أو طبقات لغوية عبر العالم، والفرنسية فيها 28 لهجة أو طبقة، والمتكلمون بهذه اللهجات أو الطبقات لا يحصل التفاهم بينهم بسهولة، بل ينعدم تماما في بعض الحالات، ونذكر هنا أن العاصمة البريطانية لندن مثلا لها لهجتها الخاصة، وهي الكوكني، لا يفهمها الانجليز والبريطانيون خارج لندن إلا قليلا.
وكذلك شأن الفرنسية في مختلف المناطق والجهات والبلدان الناطقة بالفرنسية في العالم لهجاتها مختلفة يصعب التواصل بينها.
ولكن الانجليزية واحدة والفرنسية واحدة، لم نسمع بالإنجليزية الفصحى ولا بالفرنسية الفصحى.
والطبقة العليا في جميع اللغات هي لغة التعليم والأدب والبحث العلمي والإعلام.
وتأتي تحتها طبقات أخرى لغير المتعلمين ولفئات تجمع بينها الحرف أو البيئة أو المعتقدات والأنساب وغيرها، والفارق بين طبقات اللغة الواحدة يختلف حسب الخلفيات التاريخية والاجتماعية والسياسية لكل لغة ولكل مجتمع، وليس هناك من يتحدث مثلما يكتب، في أي لغة في العالم، مثلما يتوّهم المتوهمون ويكذب الكذابون. فاللغة المكتوبة تختلف دائما عن لغة الكلام، والأستاذ في الجامعة لا يتحدث مثل الإسكافي أو راعي الغنم في أي لغة كانت، وهذا ليس انتقاصا من قدر ومكانة المهن. بل إن المحامي لا يتحدث مثل الصحفي، والمهندس لا يتكلم مثل الشاعر.
والطبقة العليا من اللغة، والتي نسميها الفصحى، تلتزم الضوابط النحوية والتركيبية المشتركة لدى جميع المتكلمين فيها.
اللغة كما هو معلوم ليست جملة من المفردات، فالقواميس تتغير وتكبر وتتوسع كل يوم، وعدد كبير من المفردات في جميع اللغات هي مقترضة وغير أصيلة.
فحتى عندما يتحدث الجزائري باستعمال مفردات غير عربية فهو يتحدث العربية، لأنه يطوع المفردات الفرنسية للتركيب اللغوي والنحوي والصرفي العربي.
والاقتراض موجود في لغة القرآن التي تخيف المتحذلقين أيضا، ولكنه موجود أكثر في لغات العالم الأكثر انتشارا وهي الانجليزية والإسبانية مثلا أكثر من 60 في المئة من مفرداتها عربية وغير لاتينية، أما يطلق عليه جهلا أو اعتباطا اللغة الجزائرية الدارجة، فهي خرافة وتخلف لأنها تجافي العلم والدراسات اللغوية.
وما يتكلم به الجزائريون في الشارع فهو طبقة بسيطة (غير ناضجة) من طبقات اللغة العربية، تعرضت للحشو بالاقتراض المفروض من اللغة الفرنسية، وتخلت عن الكثير من الضوابط النحوية والصرفية بسبب الجهل والأمية التي عاش فيها الجزائريون قرونا من الزمن، وتعرضت اللغة العربية في الجزائر إلى حرب نفسية وقمع وتدمير بعد خروج الاستعمار من قبل النظام السياسي والإدارة التي تحكم في دواليبها مفرنسون فكرا ولغة وثقافة، ومعادون للعربية وللإسلام.
فالنظام السياسي والإرهاب الإداري الموروث عن فرنسا بعد الاستقلال حطم معنويات الجزائري اللغوية وجعله يستعر باللغة العربية، ويتحاشى استعمالها، حتى لا يوصف بالجهل والتخلف، وكرس فكرة علو الفرنسية وجعلها عنوانا للعلم والذكاء.
فكانت الإدارة تعين في المناصب القيادية من يجيد الحديث بالفرنسية ولو كان مستواه العلمي ضحلا، أو كان أميا حتى، وتؤخر من يتحدث العربية ولو كان عالما عبقريا.
فقد عرفت شخصيا "تورنورا" يشغل منصب رئيس مهندسين في شركة عمومية، لمجرد أنه يجيد الفرنسية، والتقيت في إطار مهنتي "حرفيا في النجارة" يشغل منصب نائب مدير الشؤون القانونية في وزارة منذ 1963، ولا يزال في منصبه، لأن موهبته الوحيدة هي الكلام باللغة الفرنسية، ويدافع دعاة "اللغة الجزائرية" أو العامية العربية عن منطقهم بضرورة تبني"اللغة" التي يتكلمها الطفل في البيت والشارع، وفي الحياة اليومية، ولكنهم لا يتحدثون مع أبنائهم وفي بيوتهم إلا الفرنسية، فهم في الواقع اختاروا لغتهم ولغة أولادهم وهي الفرنسية "الفصيحة"، ويريدون أن يختاروا لنا ولأولادنا العربية "العامية"، وهو في الواقع "الاختيار" الذي قرره الاستعمار الفرنسي في الجزائر، بتعليم الأوروبيين اللغة الفرنسية، والعامية العربية للأنديجان من أجل تأهيلهم لخدمة المعمرين.
بقايا المعمرين اليوم لا يريدون في الواقع العامية، لأنها كما يدّعون لغة الجزائريين اليومية ولغة التخاطب، وإنما هدفهم هو تفتيت اللغة العربية ونسفها تماما من واقع الجزائريين.
الشروق
|
|
|
|
|
|