|
|
|
|

أصل اللغات
أ. حجاج بوخضور
نشأة اللغة توقيفية، من عند الله تعالى، وهبها للإنسان حين خلقه، وعلمه البيان اللغوي (سورة الرحمن)، ومن ثم يكون الحق، علمه لغة واحدة، هي أم جميع اللغات، وخلق البشر جميعا من ذكر وأنثى، ثم جعلهم شعوبا وقبائل، فاختلفت لهجاتهم، ثم تحولت إلى لغات عديدة، وقبل البعثة المحمدية بقرن ونصف القرن، جاء القريشيون يتخيَّرون من ألسنة الشعوب البعيدة والنائية، ومن ألسن الأقوام العربية المتاخمة والقريبة، يجتنون منها أفضل اللغات، ليصهروها في بوتقتهم، فواصلت العربية عودتها إلى اللغة الأم، استعدادا لنزول القرآن، كوعاء شامل غير ذي عوج.
يرتبط الحرف العربي بعلاقة وثيقة في دلالاته بالكون والإنسان، فمثلا منازل القمر وقيمته العددية؛ ترتبط بعلاقة مع الحروف العربية، حيث نجد 28 حرفاً يقابلها 28 منزلة من منازل القمر، نُسب كل حرف للتعبير عن ايام الشهر القمري، الذي تحول لاحقا الى شكل الحرف وصوته، فهندسية الحرف العربي تتسق دقة واتساقا وإيقاعا مع القوانين الكونية والانسان، ولا توجد كالعربية لغة بهذا الاتساق هندسيا وكونيا.
العربية خير مادة للبيان اللغوي، ترسخ الصلات العقلية بين الذات وعقيدة التوحيد، وتنمي القدرات العقلية، وتدعم عناصر التفكر، وتعين العقل على الفهم والتدبر، والإدراك الواسع، فدلالتها اللغوية تأخذ مكانها داخل حقل النشاطات النفسية والإدراكية، وتتسع الكلام فتنظمه ليتوافق لفظا ومعاني، بتوافق واتزان، وتمكن الانسان ملكة التعبير بالبيان.
تنفرد العربية برمزية الحرف عن غيرها من اللغات، ولذا نجد بعض سور القرآن تبدأ بحرف واحد مثل: «ص، ق، ن»، وكأنما ذلك الحرف بذاته يعني شيئا ذا معنى، وغير ذلك من الرمزية والدلالة، فحرف «الحاء» مثلا نراه يرمز للحدة والسخونة مثل: حرارة وحب وحقد وحنان وحق، بينما نجد حرفا آخر مثل «الخاء» يرمز إلى كل ما هو كريه وسيئ، مثل: خزي وخيانة وخلاعة وخسة.
اللغة العربية ذات إبداع متجدد، وأصل شامخ في نحوها وقواعدها وكلماتها وتراكيبها؛ فنهرها يتسع من المحصول والمفردات كلما اتسعت المناسبات، بما لا يكون مع اللغات الأخرى، ففي الانكليزية مثلا: لفظ Tall بمعنى طويل، (والتشابه بين الكلمتين في النطق واضح)، ولكنا نجد أن اللفظة العربية تخرج منها مشتقات وتراكيب بلا عدد «طال ويطول وطويل.. إلخ»، بينما اللفظ الإنكليزي لا يخرج منه شيء، كما نستطيع التأليف بالعربية جملا قصيرة بأقل الكلمات، بينما في الإنكليزية نحتاج إلى جملة طويلة؛ ليعني نفس الشيء، ثم نجد في العربية اللفظة الواحدة تعطي أكثر من معنى؛ بمجرد تلوين الوزن، فمثلا فيض وفيضان وعنف وعنفوان، وأحيانا تصل إلى اختلافات في المعنى كما في قاتل وقتيل، وهذا التلوين في الإيقاع الوزني، والرمزية والشمولية، والاتساق الكوني؛ غير معروف في اللغات الأخرى، إلا العربية لأنها أصل اللغات.
القبس
|
|
|
|
|
|