للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي الحادي عشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

أية لغة عربية في إعلانات الحملة الانتخابية؟

أ. عبد الحق العُمَري


تظافرت جهود الفاعلين السياسيين في الإعداد للانتخابات الجماعية والجهوية المحددة زمنيا في 4 شتنبر 2015 بربوع المملكة المغربية. وقد عملت كل الأحزاب السياسية على توظيف بلاغات أو بيانات أو شعارات لتشجيع المواطنين على التصويت، في اليوم المذكور، لصالح من يمثلهم على مستوى الجماعة أو الجهة. وما يهمنا في هذا الإطار هو محتوى الإعلانات المكتوبة باللغة العربية باعتبارها تتضمن أمثلة للدراسة اللسانية. وتجدر الإشارة إلى أنه لا يهمنا الحزب الذي صدرت عنه أو الفاعل السياسي الذي كتبها. لذلك سنتناول أمثلة، دون ذكر الأسماء أو الأحزاب المعنية، ثم نصفها ونفسرها لسانيا.

لنتأمل ما ورد في محتوى إعلانات بعض الأحزاب المغربية على سبيل التمثيل:

1. فقد ورد في لافتة، تتضمن خبر تنظيم مهرجان خطابي من حزب معين، أشار إليها موقع أخبارنا المغربية يوم 24 غشت 2015 على الساعة 17:47 ما يلي:

" ...... ينضم مهرجان خطابي يأطره الكاتب الأول ........." وجاء في عنوان إعلان حزب معين: الإنتخابات الجهوية والمحلية.

2. وورد في إعلان أحد الأحزاب ما يلي:

.......... الشريف العضيم في شهادة الجميع عون السلطة وجميع الإدارات وبعض المناسبات،

والدي كان مقاوم قضى عام ونصف داخل مطمورة تحت الأرض، مرشحكم يصلح منطقتكم"

3. وتحمل ورقة حزب معين الجملة التالية: ضعوا علامة (×) على (صنوبر) الماء. وقد أرفقت هده الجملة بصورة تمثل الصُنبور.

4. ورد في ورقة أخرى أثناء الحديث عن الغاية من ترشيح وكيل اللائحة ما يلي:

-الصهر الدائم على مصالح الساكنة والوقوف بجانبهم عند الحاجة.

- صوتك أمانة فأحسن الإختيار. وضع تقتك فيمن هو أهل لها بصوتك النزيه.

إذا تأملنا الامثلة أعلاه نسجل أخطاء إملائية وتركيبية ودلالية وصوتية.

فالأخطاء الإملائية تتضح في كتابة يؤطر على هذا النحو (يأطر) كما في المثال 1 أعلاه. فكاتب هذا الإعلان لا يكتب كثيرا، لأن كثرة الكتابة هي التي تؤدي إلى التمرس بها وعدم الوقوع في الأخطاء، وإلى أن تصبح بعد ذلك عملية سهلة وعفوية ( ينظر محمود أحمد السيد: 1988، ص103)، وهناك خطاء فادح في كتابة الهمزة، "فيؤطر كتبت على النحو (يأطر) وهدا يبين جهل الكاتب ضوابط كتابة الهمزة المتوسطة. كما أن كاتبي الشعارات والبلاغات يرتكبون أخطاء في كتابة همزة الفعل الخماسي والسداسي ومصدريهما، كما هو الشأن في كتابة ألف الاختيار وألف الانتخاب بهمزة قطع، مثلما هو مبين في المثال 1 أعلاه. وقد لاحظت في العديد من البيانات الانتخابية وقوع خلط بين همزة الوصل وهمزة القطع في كتابة المتكلم العربي. وأود، هنا، أن أبين الطريقة الصحيحة التي يمكن اتباعها في كتاية الهمزة كتابة صحيحة:

- إذا كانت الكلمة فعلا خماسيا أو سداسيا كتبت الهمزة همزة وصل مثل: اجتمع و انطلق و اندمج و استحسن.

- إذا كانت الكلمة مصدر الفعل الخماسي أو السداسي كتبت الهمزة همزة وصل مثل: اجتماع و انطلاق وانتخاب.

- إذا كانت الكلمة فعلا رباعيا أو مصدر الفعل الرباعي كتبت الهمزة همزة قطع مثل: أجمع و أكرم و إجماع و إكرام.

أما الأخطاء التركيبية والنحوية فتتمثل في عدم احترام نسق اللغة العربية نحويا وتركيبيا كما هو الحال في المثال (2): والدي كان مقاوم قضى عام ونصف داخل مطمورة تحت الأرض. فكان ينصب الخبر (مقاوما) أو يسند النصب، بتعبير تشومسكي (1981)، إلى المفعول، وكذلك جملة قضى عام ونصف فالفعل قضى ينصب عاما، لكن كاتب الإعلان أبطل عمل الفعل قضى دون مبرر مقبول.

وتكمن الأخطاء الدلالية في المثال (3) أعلاه، فالصورة المرفقة تمثل الصنبور، بينما أرفقوا بصورة الصنبور جملة: ضعوا علامة (×) على الصنوبر. فقد وقع لَبس دلالي بين الصنوبر والصنبور وشتان بينهما. فالأول جِنْسُ أَشْجَارٍ مِنْ فَصِيلَةِ الصَّنَوْبَرِيَّاتِ عَارِيَاتِ الْبُذُورِ ، دَائِمُ الْخُضْرَةِ ، مِنْ أَنْوَاعِهِ : الصَّنَوْبَرُ الْبَحْرِيُّ ،صَنَوْبَرُ الْمَنَافِعِ ، وَهُوَ أَصْنَافٌ مِنْهَا مَا يُزْرَعُ لِثَمَرِهِ ، وَمَا يُزْرَعُ للِتَّزْيِينِ .، بينما الثاني آلَةٌ حَدِيدِيَّةٌ مُلْتَصِقَةٌ بِطَرَفِ الأُنْبُوبِ ، لَهَا فَتْحَةٌ ، تُفْتَحُ فَيَجْرِى فِيهَا الْمَاءُ ، وَتُغْلَقُ لِوَقْفِ جَرَيَانِ الْمَاءِ ( ينظر معجم المعاني) . ويرى المتأمل للمثال 4 أن الكاتب حول العامية إلى كتابة عربية في العبارة: والوقوف بجانبهم.

والأخطاء الصوتية تتمثل في (ينضم – العضيم- الصهر- تقتك) فيكتب كاتب الإعلان كما ينطق، ولا يكتب الكتابة الصحيحة. وما هده الأمثلة إلا نماذج قليلة من مئات الأخطاء الصوتية والإملائية و الدلالية والصرفية والتركيبية التي تتخللها شعارات الحملة الانتخابية التي تصدر من الأحزاب السياسية المغربية.

إن المتأمل للأخطاء المشار إليها سابقا يكتشف أن تأثير العامية على العربية الفصحى اتضح بجلاء في شعارات وإعلانات الحملة الانتخابية. فالمتكلم المغربي في الكثير من الأحيان لا ينطق الذال والظاء والثاء نطقا صحيحا. فينطق الذال دالا، وينطق الظاء ضادا وينطق الثاء تاء. فيُنَظم كتبها يُنَضم، لأن المتكلم المغربي يسقط الظاء في كلامه، كما يسقط الثاء و الدال في حديثه.

إن المسبب الأول لهذه المشاكل، في نظرنا، هو الازدواجية اللغوية، ذلك أن العربية الفصيحة التي نُعلمها في مدارسنا هي لغة "متعلمة" وليست مكتسبة، فالعامية تزاحم الفصحى مزاحمة شديدة وتتداخل معها تداخلا كبيرا كما بينا في الأخطاء الصوتية (الصهر عوض السهر في المثال 4 أعلاه). أمـا المسبب الـرئيسي الثاني الذي أدى إلـى تـدنـي مستـوى تعليـم اللغـة العـربيـة فهـو المنظـومـة التـربـويـة نفسهـا. والحقيـقة أن المنظـومـة التـربـويـة و منظـومـة التعليـم العـالي و البحث العلمي فـي المغرب وعمـوم الـوطـن العـربي تشكـوان كثيـرا مـن الـوهن والهشاشة ، و هـو مـا دفـع إلـى وضع "خطـة تـطـويـر التعليـم فـي الـوطـن العـربي " بهـدف تحقيـق الأهـداف التنمـويـة و القـوميـة المنشـودة . وإن للمنظـومـة التـربـويـة بكـل عناصرها مـن أهـداف و منهـج و معلم و متعلم و بيئـة و مـوارد و تجهيزات و غيـرهـا دخلا في المستـوى الذي آل إلـيه تعليـم اللغـة العـربيـة ، و هـو مـا نجـد صـداه فـي التشخيـص الـذي تـولتـه المـؤتمـرات و النـدوات و الاجتماعات المخصصـة لتعليـم العـربيـة و فـي مـا صـدر عنهـا مـن تـوصيــات وتقارير.

ويكشف المتأمل للأخطاء التي احتوها إعلانات الحملة الانتخابية بالمغرب حقائق نجملها فيما يلي:

لم تع النخب السياسية بعد أهمية اللغة العربية وفوائدها التواصلية والاقتصادية والسياسية، وباتت هذه النخب تعاملها بالنفور أو اللامبالاة، ولا تأبه بمخاطر الوضع الهش الذي تعيشه اللغة العربية (الفاسي الفهري (2013) ص281). وإذا تأملنا أخطاء الكتابة فيمكن تفسيرها بكون الخلل مرده إلى هشاشة وسوء تعليم الكتابة في المراحل الابتدائية، فالتدريب على النسخ والنقل أمر في غاية الأهمية في المراحل الأولى، ذلك أن الملاحظة والدقة والمثابرة والجمال والنظام تساعد الناشئ في مستقبل حياته على التذوق والتناغم والانسجام في الكتابة. وثمة مراجعة يطلب إلى المتعلمين القيام بها بعد كتابة موضوعاتهم، حتى يطلعوا على ما كتبوه ليتلافوا الكثير من الهنات والأخطاء التي وقعوا فيها إملائية أو نحوية. (انظر السيد محمود أحمد 1988 ص100.101 وما بعدها).

كما أن ساستنا لا تتمثل جيدا الاختلالات اللغوية وكلفتها التعليمية والاقتصادية والتنموية لاعطائها ما تستحقه من عناية، على غرار ما تفعله الدول المتقدمة (الفاسي الفهري 2005، ص79).

ملحــــــوظــة :

يمكــن للقـارئ الإطـلاع عـلى أبحـاث قيمـة لهـا علاقـة وطيـدة بتـدهـور واقـع اللغـة العربية، و مـن بينهـا أبحـاث الفـاسي الفهـري (2003) و (2013)، و محمـود أحمـد السيد (1988)، و أبحـاث المنظمـة العـربيـة للتـربية و الثقـافـة و العلـوم (تـونس 2010) مـن بين أعمـال أخـرى .


هسبريس

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية