|
|
|
|

تقويم اللسان
أ. منّي بونعامة
سرى اللحن إلى اللسان العربي، وانتشر واستشرى في حياة الناس مع بداية التواصل مع الأمم والشعوب الأخرى التي دخلت في دين الله أفواجاً، وتعرّبت، وامتزجت ثقافتها بثقافة العرب، واختلطت بها، وقد كان ذلك مدعاة لحفظ اللسان العربي وتنقيته من اللحن والعجمة الدخيلة، وانبرى قوم لإزالة التحريف، ونفي التصحيف منهم، الزُّبيدي في كتابه «لحن العامة»، ابن مكي الصِّقلي «تثقيف اللسان»، وابن هشام اللَّخْميّ في «مدخل إلى تقويم اللسان»، يقول في مقدمة الكتاب إنَّ «أول ما يجب على طلاب اللغة تصحيح الألفاظ العربية المستعملة التي حَرَّفَتْها العامة عن موضعها، وتكلَّمت بها على غير ما تكلمت بها العرب في ناديها ومجتمعها، فإذا صحَّحها وأزال منها التحريف، ونفى عنها التصحيف، وأقامها كالقِدْح في التثقيف، ولفظ بها كما لفظت بها العرب في المشتاة والخريف والمَرْبَع والمصيف، كان ما وراء ذلك عليه أقرب، وأسهل للطلب». وقد رصد أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي المتوفى 597ه في كتابه «تقويم اللسان» تلك الظاهرة على أيامه، بقوله: «رأيت من المنتسبين إلى العلم يتكلّمون بكلام العوام المرذول جرياً منهم على العادة، وبعداً عن علم العربية. ورأيت بيان الصواب في كلامهم مبدَّداً في كتب أهل اللغة، وجمعه يثقل عنه المتكاسل عن طلب العلم، فقد أفرد قوم ما يلحن فيه العوام، فمنهم من قصر، ومنهم من ردَّ ملا يصلح رده، فرأيت أن أنتخب من صالح ذلك ما تعمُّ به البلوى دون ما يشذ استعماله، ويندر، وأرفض من الغلط ما لا يكاد يحفى».
ومع مرور الزمن وتقادم العصر استفحلت ظاهرة اللحن، واستشرت على نحو غريب ومريب بفعل جملة من المعطيات التي تتصدّرها موجة الاستعمار الأوروبي التي غزت العالم العربي والإسلامي مع بداية الكشوفات الجغرافية، ثم عصر الغزو الفكري الأمريكي، أو الاختراق الثقافي كما يحلو للبعض أن يسميه.
وسواء اتفقنا على توصيف تلك الظاهرة وتسميتها بالاستلاب، أو الاختراق، أو الغزو، فالنتيجة واحدة؛ جيلٌ بأكمله معزول عن جذوره الثقافية، مُسْتَلَب ومنافح عن ثقافة المُخترِق، وآخر يمضي على الطريق نفسه، ولغة جديدة نشأت في كنف تلك الأجواء غدت ظاهرة خطرة تهدّد مستقبل اللغة العربية واللسان الفصيح، تُعرف: ب «العربيزي»، أو «الفرانكو» أو «العربتيني»، أو «العرنسية»، تستخدم في الدردشات على الإنترنت باللغة العربية أو بلهجاتها، وتُنطق هذه اللغة مثل العربية، إلا أن الحروف المستخدمة في الكتابة هي الحروف والأرقام اللاتينية بطريقة تشبه الشيفرة.
ي غمرة هذا الواقع لابدّ من التشديد على ضرورة تقويم اللسان وتصويب الكلام، وتنقيته من التحريف والتصحيف وسريان العجمة واللحن، ويبدأ ذلك، عملياً وذهنياً، من البيت، الروضة، المدرسة، الجامعة، الشارع، المؤسسة، وهو أجدى في نظري من رفع الشعارات التي تنادي بإنقاذ اللغة العربية من هاوية السقوط.
الخليج
|
|
|
|
|
|