للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي الحادي عشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

الثورة الجزائرية واستعمال اللغة العربية

أ. عيسى بن سديرة

إن خبرتي في مجال اللغة العربية، التي أفنيت سواد شعري وبياض شيبتي في خدمتها علما وبحثا وتعليما، تجعلني في موقع المؤهل للتعبير عن بعض قضايا العربية ومشكلاتها، علما وتعليما واستعمالا..

ذلك أنني أقدمت في غضون ثمانينيات القرن الماضي على خوض غمار البحث لنيل شهادة الماجستير في موضوع "استعمال اللغة العربية إبان حرب التحرير الجزائرية.. دراسة نماذج من وثائق الثورة"، بحيث أتاحت لي تلك التجربة العلمية الهامة، أن أكتشف أن انتصار الثورة الجزائرية لم يكن بفعل الوقائع والأحداث الحربية فحسب، بل إن أهم أسباب انتصار تلك الثورة المجيدة هي استنادها وتوظيفها لأبرز المقومات الذاتية للأمة، ومنها العربية، ولإثبات صحة ما أدعيه، فإنه لا مناص من اقتطاف الجزء الأخير من خاتمة بحث "استعمال اللغة العربية إبان حرب التحرير الجزائرية"، دون التطرق إلى الجوانب العلمية والنظرية التي اشتملت عليها خاتمة البحث المنجز منذ ما يقرب من ثلاثين سنة، مكتفيا بالتطرق إلى ختام الخاتمة، فيما يلي ذكره حرفيا دون أي تصرف:

إن النتائج العملية التي تمخض عنها البحث، تجسّد البرهان العملي المدعم بحجة الوثائق والأرقام العينية الملموسة، التي تقطع حبل المترددين والمتشككين في سلامة المبدأ الذي تبناه الشعب الجزائري عن طواعية واختيار، عندما أراد أن تكون العربية هي اللسان المعبّر عن الشخصية الوطنية الموحدة.

وتثبت التجربة التاريخية القريبة للشعب الجزائري إبان حرب التحرير الجزائرية، أن هذا الاختيار نابع من الإرادة الطوعية لهذا الشعب، الذي يستهين بحياته في سبيل التمسك بمقومات شخصيته الوطنية.. ولا أدل على ذلك من أن القيادة السياسية نفسها لم تلتزم في الماضي، باستعمال اللغة الوطنية في مقرراتها قدر التزام الشعب باستعمال اللغة الوطنية العربية، حتى ولو كان ذلك بإمكانيات بسيطة ووسائل يسيرة جدا، وخير دليل على ذلك، أن مقررات جبهة التحرير كانت في السابق تحرر باللغة الفرنسية أصلا، ثم تنقل في مرحلة تالية إلى العربية، وقد تم ذلك على التوالي خلال المؤتمر الأول في الصومام سنة (1956)، ومؤتمر طرابلس سنة (1962)، ثم ميثاق الجزائر سنة (1964)، وكذلك الشأن بالنسبة للميثاق الوطني في (1976)، حتى كان المؤتمر الخامس لجبهة التحرير الوطني أواخر سنة (1985)، الذي تمت خلاله عملية إثراء الميثاق الوطني بناء على النسخة الأصلية المحررة بالعربية لأول مرة في تاريخ الجزائر الحديث.. وإن هذا الأمر ليؤكد بما لا يدع مجالا للريب، أن القيادة السياسية في الجزائر، لم تفرض قرار تعميم استعمال اللغة الوطنية العربية فرضا قسريا على الشعب الجزائري، كما يدّعي بعض المشككين، وإنما هي قد استجابت بذلك لأحد الخيارات الأساسية التي برهن هذا الشعب على الالتزام بها في كل الأحوال والظروف.

 "حقيقة إن استعمال الشعب الجزائري للغته الوطنية العربية، إبان حربه التحريرية المجيدة، لم يسلم من بعض الأخطاء النحوية والصرفية واللغوية والإملائية، ولكنّه إذا كان قد ارتكب أخطاء في استعمال لغته الوطنية، فإنه على أية حال لم يرتكب خطيئة عدم استعمالها.. وإن ذلك ليهوّن تماما من أمر الأخطاء المرتكبة في استعمال اللغة الوطنية مهما قلّت أو كثُرت.

"وإنني، على شدّة يقيني في القيمة الوثائقية المعتبرة لسلامة التعبير اللغوي لوثائق الحرب التحرير الجزائرية، المحرّر أغلبها أصلا باللغة الوطنية العربية، فإنني أخشى أن يفهم كلامي بأنه عقد النية على تسليم شهادة النجاح لوثائق الثورة التحريرية في امتحان اللغة الوطنية..

كيف يكون ذلك وأنا مدينٌ لهذا الشعب الأبيّ ولأرواح الشهداء الأبرار، بالشهادة الثمينة التي استلمها منهم عربنا للمصالحة مع الذات والوفاء للضمير.

"وإن ثمة أمرا لم أتمكن في السابق من إدراك مدى خطورته، حتى قطعت أشواطا مهمة في إنجاز هذا البحث، وهو أنه إذا كان من حق الشعب الجزائري أن يفخر بتاريخ ثورته المجيدة، فإنه يحق له أكثر من ذلك أن يعتز بالتاريخ الذي حرّره بلغته الوطنية العربية.. وإن ههنا مكمن أحد أسرار عظمة الثورة الجزائرية الأصيلة.. وآمل من صميم الفؤاد، أن نلج أبواب القرن الواحد والعشرين إن شاء الله، وقد صفينا حسابنا تماما مع تركة الفترة الاستعمارية في مجال اللغة والثقافة.

"وختاما، كي لا يقطع جسر التواصل بين الفترة التاريخية النيّرة المجيدة لثورتنا المباركة وبين الأجيال اللاحقة في المجتمع الجزائري، أسأل الله العلي القدير لكل من يعترض سبيل تعميم استعمال اللغة الوطنية العربية في الجزائر أن يهديه سواء السبيل".

وإنني أؤكد من منطلق الدارس المتمرّس المطلع، أن العربية قد عانت من ويلات الاستعمار، بمقدار ماكان يعانيه الشعب الجزائري إبان عهد الاحتلال أو أكثر، لأنها كانت المستهدف الأكبر في عملية المسخ الحضاري.. ولسوف يفرغ الاستقلال السياسي حتما من محتواه، إذا لم يتعزز فعلا وواقعا باستقلال لغوي وثقافي يجسد شخصية الأمة الجزائرية، ويعبّر عن هويتها الحضارية الأصيلة.

خلاصة القول في كل هذا، أن الدولة صاحبة السلطة القانونية مطالبة بالتدخل لفرض استعمال اللغة الوطنية، أو العامية على الأقل في كلام المشافهة، بعيدا عن كل كلام أجنبي في وسائل النقل البرية والجوية في الخطوط الداخلية على الأخص، فذلك هو محل استعمالها الأنسب.. وأما تلك المقترحات المتعلقة باستعمال العامية الدارجة في أي من مستويات التعليم، فتلك قضية لا محل لها من الإعراب أبدا مادام الشعب الجزائري سيدا في وطنه.

وليحذر الذين يخالفون عن أمر الشعب الجزائري، أن تصدر منه غضبة شديدة، إذا ما شعر أن العربية لا تزال"محڤورة" في وطنها، فإنه معروف عنه أنه أشد ما يكون مقتا لكل أصناف "الحڤرة"، فما بالك إذا كانت متعلقة بأعزّ وأغلى ما ضحى لأجله بالملايين من مقدّساته ومقوماته الوطنية الراسخة رسوخ الجبال الشّامخات الشاهقات.

الشروق

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية