للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي الحادي عشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

بلال عبد الهادي: اللغة التي لا تؤمّن لي الخدمات أهجرها المطلوب بناء مشروع لغوي مغرٍ بالعربية لجذب القارئ والكاتب

نسرين كمال

 الدكتور بلال عبد الهادي متخرج في السوربون، اختصاصه علم اللغة الحديث، هو أستاذ محاضر في المواد المتعلّقة بالألسنية، والنقد الأدبي، والحضارة وعلم السيمياء. كتابه "لعنة بابل" يتميّز بغزارة مادته وجاذبية أسلوبه السهل الممتنع.

■ في كتابك "لعنة بابل" محاولات بارعة لاكتناه أسرار العربية وكشف مواطن فتنتها بأسلوب رشيق ومحبب. ما هو مشروعك للغة العربية وماذا تنتظر من القارئ؟
- حاولت ان اظهر حبي للغة العربية من خلال تناول بعض المواضيع. يؤلمني ان ارى على المستوى الشخصي هذه العلاقة السلبية بين العربي ولغته. افهم واتفهم العلاقة السلبية الراهنة، فاللغة بريئة، ليس هناك لغة تحب او لغة تكره. اللغة وسيلة، اداة، وحين اجد انها لا تؤمّن لي الخدمات التي اريدها، اهجرها، وانتقل إلى أداة اسلم. العربية لا تؤمّن اليوم الخدمات التي تؤمنها الانكليزية مثلا. فمن الطبيعي ان يهجر الناس العربية الى الانكليزية. ما عدد المجلات العربية العلمية وما هو مستوى ابحاثها او مقالاتها؟ وما عدد الجرائد والمجلات العربية المشوقة للصغار مقارنةً بما تضخّه المجلات الاجنبية من مواد واخبار ومعلومات مشوقة وغنية وذكية.
على المسؤولين من سياسيين وعلماء وتربويين وفنيين ومغنين ان يبنوا مشروعا مغريا بالعربية لجذب القارئ والكاتب على السواء. هناك مدارس كثيرة مثلا ليس فيها مكتبات، وان كان فيها مكتبات فالكتب التي فيها اكلها العتّ وليست جذابة على صعيد المضمون والشكل. تعليم اللغة لا يجوز ان يترك فقط للغويين، والنحويين، فكتب النحو والقراءة مثلا في الصفوف الابتدائية يجب ان يشترك في صوغها فنانون ورسامون وعلماء نفس واجتماع وأهل الإعلان. على طرائقنا في تعليم اللغة العربية أن تتعلم فنّ الإغراء والغواية وفنّ الترويج لإعادة الإلفة بين العربي ونصوصه.
■ ذكرت في كتابك أن الإنسان أسير لغته، ما قولك في من ينكر لغته ويتبنّى لغة أخرى كهويّة له؟
- لغة الانسان الأولى تسمى اللغة الأم. ولا يمكن ان نسمّي من يستهين بلغته ويحتقرها إلاّ بأنه عاقّ. العقوق اللغويّ كالعقوق مع الاهل عمل مشين. احب الطريقة التي يتعامل بها الياباني مع لغته الأم.ش وكنت قد كتبت مقالا وضعت له عنوان "بيت وسيارة" وهو موجود في كتابي "لعنة بابل" واعتبرت أنّ اللغة الأمّ هي البيت ولغة الاخرين هي السيارة. لا يمكن اليوم الاستغناء عن السيارة ولكن ليس من المستحبّ ان نسكن في السيارة.
■ يقول دو سوسور إن من الصعب تحديد الاختلاف بين اللغة واللهجة، إذ غالباً ما يطلق على اللهجة اسم لغة لأنها أنتجت أدباً. ما هي المعايير التي تجعلنا نميّز بين اللغة واللهجة؟ وهل تصبح اللهجة لغة؟
- ليس هناك فارق جوهري بين اللغة واللهجة من حيث الطبيعة اللغوية، بل يمكن القول إن الفارق غير لغويّ. قد يكون سياسيا أو دينيّا او قوميّا او عرقيّا. شيء لا علاقة له باللغة يجعل اللهجة لغة كاملة الأوصاف. فبحسب ما يروى في الكتب القديمة التي تتناول نشأة اللغة العربية يشار الى أنّها هي لهجة قريش، بل إنّ من يطّلع على كتب اللغة القديمة يلحظ عدم وجود فارق دلالي في الاستعمال بين اللغة واللهجة في أحيان كثيرة. هذا ما نراه في كتاب ابن جنّي المسمّى بـ"الخصائص". من يتصفّح ما قيل عن الصراعات اللغوية على امتداد الامكنة والازمنة، يكتشف ان كل لغة هي في الاساس لهجة، شاءت ظروفها او اقدارها ان ترتقي الى مستوى اللغة. هناك شروط لتحويل اللهجة الى لغة، أهمها كتابتها.
اللغة الالمانية نقلها نصّ من عالم اللهجات الى عالم اللغات، تماما كما حال القرآن الكريم الذي حوّل لهجة قريش من لهجة منطوقة محدودة بقبيلة الى لغة مكتوبة تتعدّى إطارها القبلي والجغرافيّ.
لكل لهجة أدبها، كما أن لكل لغة ايضا أدبها، وهناك مشتركات، وهذا طبيعيّ. اللهجات العربية غنية جدّا بأدبها، فعندها الزجل والشعر النبطيّ، والحكايات، والأقوال المأثورة. ومع التقدّم الحضاريّ صار للهجات أفلامها ومسلسلاتها وبرامجها ومسرحياتها .
اما عن المعيار في نظري فهو بسيط. انه مسألة سياسية، ويتجلى ذلك في لغة الدساتير والمجلات والجرائد والكتب. فإذا كتبت الدساتير والكتب المدرسية والمجلات والجرائد بلهجة من اللهجات، فإنها تتحول الى لغة فصيحة لهذا البلد او ذاك. اسباب غير لغوية تمنع اللهجة من ان تصير لغة. فلو بقيت الامبراطورية الرومانية بكامل قوتها وهيبتها لكانت اللاتينية الى اليوم حيّة ترزق، على غرار ما هي عليه الحال مع العربية المكتوبة. ما يمنع اللهجات العربية من ان تتحول الى لغات رسمية هو الإسلام.

■ اللغة كائن حي ينمو ويتطوّر في فضاء التفاعل وخارج القوقعة. كيف يتم برأيك تهجين اللغة من دون المسّ بخصوصيّتها الثقافية والحضارية؟ وكيف نحمي لغتنا العربية من شراسة العولمة؟
- للعولمة، وجهان، سلبي وايجابيّ. هي شرسة من ناحية، لكنها دمثة من جانب آخر. من حسناتها انها مدّت جسورا لا اسوارا بين الشعوب والحضارات. والانترنت شكل من اشكال العولمة، بل هو من تجلياتها. لا يمكن للغة ان تنغلق على نفسها. الانغلاق يتسبب بالاختناق، فالموت. قويت العربية بالتلاقح عبر تاريخها مع الفارسية واليونانية واللاتينية والسريانية والهندية والعبرية. بل ان من ينظر الى القرآن الكريم يجد فيه كلمات كثيرة غير عربية، يونانية وعبرية ولاتينية ويونانية وحبشية، وهذا باعتراف كبار العلماء العرب. ومن يطّلع على كتاب السيوطي "الاتقان في علوم القرآن" او كتاب الزركشي "البرهان في علوم القرآن" يجد ابوابا تتناول ما يسمّى الدخيل في القرآن الكريم. لا يعيب لغة من اللغات ان تقترض او تستورد او تستعير بعض المفردات. فاللغة الانكليزية لم تجد غضاضة من استعارة مفردات حتى من لغات الهنود الحمر. التهجين سنّة الحضارات، كل المطلوب هو حسن ادارة التهجين، والمهارة في استيراد المفردات، وللعرب القدامى ليونة فذّة في التعامل مع الوافد الغريب من خلال العبارة التالية: "ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب".
■ لفتتني عبارة لك: "أرني لغتك أقل لك من أنت". كيف تصف علاقتنا بلغتنا العربية اليوم؟
- اللغة بريئة براءة الذئب من دم ابن يعقوب، فهي صورة عن ناسها، تنشط بنشاط الناطقين بها، وتخمل بخمولهم. اللغة العربية اليوم ضعيفة لاننا ضعاف على كل المستويات تقريبا وليس من المستغرب ان تكون العربية على هامش اللغات الفاعلة، وان كان لها مكانة اليوم فمكانتها قمرية اذا صحّ التعبير وليست شمسية. اقصد ان القمر يستمد قيمته النورانية من اشعة الشمس وليس من اشعته الذاتية، بخلاف الشمس. العربية اليوم قمرية لانها تستمد قيمتها من الانوار القرآنية والتراثية وليس من صلبها. فلنتخيل ماذا كان سيكون مصيرها لولا حضور النصّ القرآني الحيّ الذي ينشر انواره ولغته خارج الدائرة العربية. كانت العربية نشطة ودمها دفاقا حين كتب بها الفارسي والهندي والتركيّ والرومي واليهوديّ الخ. أعلام كبار في تراثنا العربيّ ينتمون الى عالم غير عربيّ وكانت لهم كتابات بالعربية وبلغاتهم الأم كابن سينا مثلا.
■ ذكرت في أحد أبحاثك أن المترادفات من مميزات العربية. ما تحليلك الشخصي؟
- لا تخلو لغة من المترادفات التي هي في نظري طرق وشوارع ودروب. كل لغة تحب الدفاع عن نفسها، والمترادفات ضرب من ضروب دفاع اللغة عن نفسها. اللغات تشبه الأرنب الصيني: "الأرنب الذكي يحفر ثلاثة مداخل الى جحره". للمترادفات وظائف كثيرة منها ما هو جمالي ومنها ما هو عمليّ، براغماتي. اعرف ان هناك عددا لا بأس به من الناس يتناول مسألة المترادفات بنوع من السخرية حين يقول إن للجمل اسماء كثيرة، وهذا طبيعيّ. لأنّ الجمل وسيلة حياة او موت في حياة العربي الصحراوية. وهذا ما يعادل كثرة نظنها تخمة في اسماء الثلج في لغات سكان الاسكيمو. فللغيمة مثلا في العربية اسماء كثيرة والسبب انها نبع جوّال في فضاء الصحراء العربية، وهي تسيل لعاب سكان الصحراء فكان من الطبيعي ان يكثروا اسماءها للتمييز بين التي تحمل الشراب والسراب!
■ هل ثمة رابط بين لغتنا وتجربتنا النفسية - الإجتماعية؟
- بالتأكيد هناك رابط متين، وهو ليس فقط بين العربية وتجربتنا، بل هذا امر ينظم كل اللغات. هناك دراسات كثيرة تربط بين البنيتين اللغوية والاجتماعية، ويمكن المرء ان يرى المجتمع ويحلله من خلال تحليل البنى اللغوية، كما ان هناك دراسات كثيرة تظهر الرابط بين اللغة والنفس. هناك مشكلات نفسية كثيرة يمكن معالجتها عبر تغيير علاقة الشخص مع مفرداته التي يستعملها، ومع جمله التي يقولها لترجمة صورة العالم الذي يعيش فيه. الانسان يسكن في عالمين: عالم جغرافي وعالم لغوي.
 

 

النهار

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية