د. صلاح جرّار
ذهبت إلى إحدى محطات الوقود كي أزود سيارتي بالمحروقات وأغسلها ممّا لحق بها بعد أمطار الأسبوع الماضي، ومع أنني أتعامل مع هذه المحطة بصورة متكررة إلاّ أنّه لفت نظري هذه المرّة أن جميع مرافق المحطة مكتوبٌ عليها مسمياتها بالإنجليزية فقط، ولا يوجد منها مرفقٌ واحد باللغة العربيّة، وقد تلفت يميناً وشمالاً ونظرت في جميع الزوايا بحثاً عن شاخصةٍ واحدةٍ باللغة العربيّة فلم أجد شيئاً من ذلك وإنما وجدت شاخصات تحمل عبارات: البنزين الخالي من الرصاص، محل غسيل السيارات، محل بيع القهوة والشاي، المحاسبة، تغيير الإطارات وإصلاحها، إلى آخر ذلك، وكل ذلك باللغة الإنجليزية.
نظرت في وجه مدير المحطة فوجدته عربيّاً ووجدته يتحدث مع الناس بالعربيّة، ثمّ نظرت في وجوه العاملين بالمحطة فوجدتهم جميعاً عمالاً مصريين ويتحدثون كلهم بالعربيّة، وباللهجة المصريّة، وتأملت في وجوه الزبائن فوجدتهم كلهم عرباً، حتّى إنني عرفت بعضهم.
ثمّ تساءلت بيني وبين نفسي: إذا كانت إدارة المحطة ومالكوها وعمالها وزبائنها كلهم عرباً فلماذا نكتب لهم بالإنجليزية فقط؟!
وتساءلت بيني وبين نفسي: هل يعرف مدير المحطة والعاملون فيها اللغة الإنجليزية معرفة تجعلهم يستغنون عن اللغة العربيّة؟!
وتساءلت كذلك: هل يفترض مالكو المحطة ومديروها أن جميع الزبائن يعرفون اللغة الإنجليزية ويتقنونها، أو أنهم يتوقعون في يومٍ من الأيّام أن يتزاحم الأجانب على هذه المحطة؟! وما هي الفوائد الاقتصادية التي يمكن أن يجنيها مالكو المحطة عندما يكتبون على مرافق محطتهم كلها باللغة الإنجليزية ويتجنبون العربيّة؟!
إن جميع هذه التساؤلات محسومة الإجابة بالنفي، فليس بالضرورة أن يكون مدير المحطة والعاملون فيها ممّن يعرف حرفاً واحداً بالإنجليزية، وليس بالضرورة أن يكون زبائن المحطة كلهم يعرفون الإنجليزية أو لا يتكلمون سوى الإنجليزية، ولا أظنّ أن كتابة أسماء المرافق بالإنجليزية يمكن أن يحقق ربحاً إضافياً لمالكي المحطة.
ولا أجد تفسيراً لهذه الظاهرة سوى الرغبة بالاستعراض الأجوف والدعاية الفارغة من خلال استخدام لغة أجنبيّة والترفع عن استخدام اللغة العربيّة والتنكر لمسمياتها وجماليات خطوطها.
ومن هنا فإنني أرى أن قانون حماية اللغة العربيّة الذي صدرت به الإرادة الملكية السامية مؤخراً هو خير سبيل للتصدي لمثل هذه الظواهر البغيضة ووضع حدٍّ لها والمحافظة على الهويّة العربيّة لمؤسساتنا وشوارعنا ومرافقنا وألسنتا.
الرأي