للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي الحادي عشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

محنة العربية الفصحى أم محنة أبنائها؟

أ. وسن علي الزبيدي

 تزامُناً مع ما يُطلق من صرخات احتجاج ومطالبة بالحقوق ، واطلاق الاصوات المدوية لتسمع من كان حيا ، يعلو مع هذه الاصوات صوت يصرخ بألم مكبوت ونداء مستغاث ، عل يسمع استغاثته من لم يصبه الصمم ، ويجد آذانا مصغية لاغاثته ، لكن هذه المرة الصوت والصرخة والاحتجاج جاءت مختلفة في مطلبها ومغايرة في من يحتج عليها وتطلب حقها منه ، الصوت يريد حقه لا من الحكومة  بان تلبي مطلبه فحسب ، بل نداؤه واحتجاجه موجها الى أهله وناسه وقومه الذين هم أحق ان يلبوا نداءه ويسمعوا استغاثته ،لأن الصوت هو صوت الهوية والتراث المغيب والرحم المقطوع ، انه صوت اللغة العربية الفصحى الجميلة ، التي تستغيث من اهمال وتعمد تغيبها وابعادها عن أهلها وقطعها عن صلة رحمها . صرخة استغاثة وعتب أطلقتها اللغة الفصحى التي باتت شبه مفقودة ومنسية بين الناطقين بها ، في خضم هذه الاحداث المتسارعة التي تمر بها الامة ومجتمعاتها المدنية ، وقبل البدء بعرض أحد أهم المشكلات التي تواجه اللغة الفصحى وميراثها الحضاري ، نقرأ أبياتا من الشعر التي هي لسان حال العربية الفصحى حاليا وما تطلقه من عتب :


أنا العربية المشهود فضلي               أأغدو اليوم ، والمغمور فضلي

إذا ما القومُ باللغة استخفوا                    فضاعت ما مصيرُ القوم ؟ قل ليبعد ان شهدت مجتمعاتنا العربية – مع شديد الأسف – وما شاعت فيها من ثقافات مشوهة واخلاقيات ممسوخة لا تناسب ما ورثته الامة من أعراف وأصوليات أصيلة مدحها القرآن الكريم في قوله ” وكنتم خير أمة أخرجت للناس ” ، وما جاء به الاسلام من مبادئ وشرائع سمحة  أنقذت البشرية من ظلام دامس وأضاءت الطريق للعقول لتستنير وتنهض في أعمار الارض وتطوير الكائن البشري ، فجأة ومن غير سابق انذار نجد ثقافة الهدم والتخريب والقتل ، واغتصاب الحقوق ، واشاعة الفكر المنحرف وعدم قبول الرأي الآخر …، وغيرها من المظاهر التي طالت مجتمعاتنا المدنية في بلداننا العربية ، فنراها أمست واقعا مريرا تندى له انسانية الانسان . والمحزن المؤلم في الامر أنها لم تقتصر على الانسان وروحه وفكره وانسانيته المستباحة ، والتي قُطعت على أيدي مسوخ فكرا وعقلا ، بل شملت هذه الهجمة الشرسة لغة الفرد ونطقه بلغةٍ تعارف عليها ومثلت هويته وذاته وورثها من أسلافه الناطقين بها ببلاغة  عذبة لمفرادتها ومعانيها ، هذه اللغة التي كرمها الله بان جعلها كلام .كتابة العزيز ،، وأخلدها الى يوم يبعثون ، وجعلها لغة جناته ، هي اللغة العربية الرصينة المعطاء ، ونقصد الفصحى هنا ، ليست المعقدة المعجمة على الفهم بل الفصحى المفهومة السلسة المنسابة العذبة في ألسن ناطقيها .إذ بدأت ومنذ مدة ليست بالقليلة شكوى من ضعف مستوى اللغة الفصحى ، ونستطيع القول ان هناك أزمة حقيقية في لغتنا التي هي مُهاجمة ايضا  – ونُصب لها العداء – شأنها شأن العداء للثقافة والهوية العربية الاصيلة ، هذه اللغة باتت تتعثر بها أقلام الكتبة وألسنة المتعلمين والمعلمين جميعا . ولا نرى من يقرأ تُراثها قراءة تبصر وفهم، وليس هناك حتى في الكتابات النثرية بأنواعها من يتمثل بتراث زاخر من هذه اللغة الرائعة بمعانيها ومفرداتها ، واستيعاب ذلك المنجم اللغوي الثر والافادة منه في التداول والتحاور ، وعندما يضعف خيال الناطقين باللغة الجميلة ، حينها لا يقدرون على تذوق فنها ، وتختنق اللغة في أيديهم وعلى شفاههم ، فتبدو كما لو كانت عاجزة عن الوفاء بمطالب الحياة والفن معاً ، فيهرب أبناؤها الى لغات أخرى ما أُنزل بمعانيها وكلماتها من سلطان، فيستسيغونها ويجدون فيها بديلا عن اللغة الأم التي بات بعضهم يفخر بعدم إجادتها او مواكبتها للتطور والحداثة، بل نراهم يفخرون في الوقت نفسه بإجادتهم لغيرها من اللغات .

فما الذي حدث ؟ وما أسباب هذه المشكلة ؟ ، وهي لا تقل في أهميتها عما يتعرض له المجتمع من أزمات نالت كل مفاصل حياته . واللغة تمثل الهوية للانسان وذاته الناطقة بما يعتمر في خوالج النفوس، سواء ما يؤلمها أم ما يفرحها .

تنوع الاسباب

وقد تتعدد أسباب هذه المشكلة وتتنوع ، فنجد منها ما يلي :

– ما نسمعه من دعوات دائبة خبيثة لاماتت هذه اللغة البهية ببلاغتها ومفرداتها الرصينة ، بحجة إنها لا تواكب النمو الحضاري والحداثي .

– وقد نجد ما يرجع سببها الى هوان هذه الفصحى على أهلها ، وعدم رعايتهم لها وعنايتهم بها ، وفقدان الجدية في العمل على احيائها والتحدث بها .

–  وقد يكون السبب في وسائل الأعلام والترفيه سواء بما نلاحظه من تهاون فاضح في تداول الفصحى في الكتابة ام الحوار أي في المسموع منها والمرئي ، ام في بث بعض البرامج الترفيهية التي تصور القائم بتدريس العربية  أم المتحدث بالفصحى في صورة مزرية بقصد الاضحاك ، وما يوؤل ذلك ويؤدي الى نفور الناس من هذه الصورة للمتحدث بالفصحى ، وهروب النشء من التحاور بها . على الرغم من أننا نلاحظ هذه الايام أن الاطفال المولعين بمشاهدة الافلام الخاصة بالطفل – واقصد أفلام الكارتون – قد أحبوا الفصحى ونراهم يتحدثون بها مسرورين بالتحاور مع اقرانهم وكأنها لغة جديدة او غريبة عنهم ، والمشكلة هنا ان لا أحد يوليهم العناية والاهتمام لهذا الاستعمال للغة أو يشجعهم على النطق الدائم بها .

– وقد يعزو أحد أسباب هذه المشكلة وضعف الفصحى الى المناخ المدرسي ، وعدم وجود البيئة التعليمية الملائمة التي تشجع على استعمال الفصحى . وبسبب من تكدس المادة الدراسية المعتمدة في منهاج اللغة العربية عند التلاميذ في فصول الدراسة ، وعدم الاهتمام بالتحاور باللغة الفصحى المضبوطة من المدرسة ووصولا الى الجامعات التي أمست اللغات الدخيلة والمفردات المعجمة او العامية هي السائدة والأولى في التداول والتحاور . ودعوى هذه الطبقة من المجتمع والتي هي الطبقة الاكثر رقيا سواء في الفكر المتعلم والثقافة الاكاديمية والعلمية ، بحجة تغير القيم في عصرنا ومجتمعنا ، وتغير الاهتمامات ومواكبة الحداثة ، فهي دوافع لأهمال اللغة العربية .

– أما بعض الباحثين فذهب الى ان أتساع الهوة بين مستوى  العامية التي يتخاطب بها الناس في يومياتهم ومعيشتهم ، والمستوى الفصيح الذي يطلب منهم ويجبلون عليه في التعليم المدرسي ، وبُعد الفجوة في ذلك فهو ما يمكن أن يكون سببا في هذا الداء والمشكلة ، وبهذا البعد عن تفهم واستيعاب اللغة الفصحى أدى الى النفرة باستعمالها في أمور الحياة اليومية المتداولة، ودفع الى الاحساس عند الكثيرين بعدم الحاجة إليها أو ظنا منهم بعدم إيفائــها بالمعنى المطلـــــوب ايصاله .

–  قد تكون هذه هي بعض الأسباب أو قد تكون غيرها مما لم يُذكر هنا ، وقد تختلف معي بعض الآراء في أسباب هذه المشكلة او تتفق ، لكن المهم في الأمر أننا لن نختلف بوجود مشكلة حقيقية ، وأزمة ضاغطة نراها في جميع المظاهر اللغوية المنطوقة التي باتت لا تطاق لمن لديه الحس اللغوي ، وممن هم غيورون على لغتهم من أن تتلاشى وتفقد بريقها على ألسن أهلها والناطقين بها ، ومن هم أحق بتذوق جمالها والعمل على احيائها . وبما أننا  عرفنا المشكلات والصعوبات في عدم تداول الفصحى بين الناس ولو بالنزر المستطاع لابد اذن من حلول لها ووضعها تحت مجهر الاهتمام والدراسة الجادة .
 

الزمان

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية