للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي الحادي عشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

نون الوقاية موجودة في لغة العرب منذ العصر الجاهلي

أ. محمد مهاوش الظفيري

 لعل من الضرورة بمكان أن يجدر بنا الحديث في أول هذا المبحث عن التفريق بين اللسان، واللغة، واللهجة، واللكنة، بشكل مختصر، وذلك أن موضوع هذه الورقة يدور حول "النون الطائية في شعر الظفير" وهو فرع من فروع اللهجات في المنطقة.

كان اللسان في اصطلاحات العرب القدماء وفي تعابير محكم التنزيل يدل على اللغة في استعمالنا هذه الأيام، إذ يقول الخالق: «وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ» "النحل 103"، بينما كان استعمال علماء السلف لمفردة "لغة" يعادل استخداماتنا لمصطلح "لهجة"، لذا كانوا يقولون عن اختلاف اللهجات لغات العرب كلغة قريش ولغة تميم ولغة عبدالقيس... وهكذا، وهو ما يعادل لدينا لهجة قبيلة كذا ولهجة قبيلة كذا... وهكذا دواليك، حيث أصبحت اللغة هي المعنى الحقيقي للكلام الذي حلّ مكان مفردة اللسان كاللغة العربية، واللغة الفارسية، واللغة الفرنسية، واللغة الإنجليزية، بينما صارت اللهجة انبثاقاً متفرعاً من تلك اللغات الوطنية أو القومية.

اللافت للانتباه أن رجال الشعر النبطي كانوا يسمون المسميات هذه وفق الفهم الاصطلاحي العربي القديم، حيث يقول محمد بن دهام السعيدي في مدح عبدالكريم بن صفوق المحمد الجربا:

بيوت المحمد مدهل الضيف والجار

وملجاً لمن كثّرت عليه الشكاوي

لازم يجي بالبيت هاتش وخطار

وخلايقٍٍ ما ينعرف له لغاوي

وكذلك الشاعر سند الحَشّار الظفيري يبيّن هذا المعنى بشكل أكثر وضوحًا، إذ يقول:

من فعْل طلْقين اللغا بالملاقاه

اللي وقعْ بنْحورهم للذلافي

أو قوله في الشيخ سعدون الأشقر السعدون:

تلفي مضيفٍ مَدْهلٍ للأجاويد

بأقصى الشعيب وْدون نابي عرينه

سلّم ورتّب له سلامك بترديد

لا صار طلْقين اللغا حاضرينه

ففي هذه الشواهد الشعرية دليل على أن شعراء النبط القدماء كانوا يستعملون مفردة "لغة" وفق التصوّر القديم لهذا المصطلح.

النون الطائية

يعد إقليم حائل وما جاوره هو الوريث الشرعي للهجة قبيلة طيء في الجاهلية والإسلام، وقد بقيت لهجة طيء محافظة على إيقاعها الصوتي، وهذا الأثر لم تقتصر به مدينة حائل وما جاورها، بل امتد إلى مناطق أخرى كبقعا والقصيم، حيث يلاحظ العارف طبيعة هذه اللهجة عندما يستمع إلى المتحدثين بها من أهالي المنطقة وسكانها، ومن أفراد قبيلة شمّر القاطنين في تلك النواحي، أو من أولئك الذين جاوروهم، أو عاشوا معهم ردحًا من الزمن، سيلاحظ الطبيعة الخاصة لهذه اللهجة، ولأن الفوارق الصوتية في هذه اللهجة متعددة، وليس هنا مجال للحديث عنها، سيتم الحديث عن وجود "النون الطائية" وهي المعروفة في عرف النحاة "نون الوقاية" لكن ليس عند قبيلة شمّر وسكان منطقة حائل وما جاورها من المناطق، بل عند قبيلة الظفير الواقعة في الشمال الشرقي من شبه الجزيرة العربية، والممتدة تاريخيًّا وجغرافيًّا نحو الشمال باتجاه جنوب العراق وأطراف جنوب الشام، لذا سيتم التطرق لهذه النون في شعر هذه القبيلة.

نون الوقاية - النون الطائية

تعد نون الوقاية في عرف علماء النحو العربي النون المكسورة، التي تفصل بين ياء المتكلم والفعل، أو بين الحرف في الكلام، وقد أخذت هذا الاسم لأنها تقي الفعل من الكسر الذي ينشأ عند التحاق ياء المتكلم به، وهي - أي نون الوقاية - مبنية في كلام العرب على الكسر لا محل لها من الإعراب، غير أن المستعمل في كلام الناس المتحدثين بهذا الإيقاع الصوتي المعروف بنون الوقاية "النون الطائية" يحذفون ياء المتكلم المفروض وقوعها وراء هذه النون ويفتحون الحرف السابق لها بعد أن يقوموا بتسكين هذه النون.

أما النون المستعملة في كلام بني حسين من الظفير - ويقال لهم كذلك الحِسنان - فإنهم ينطقون هذه النون بشكل ثقيل ويضغطون في النطق على هذه النون حتى يتخيّل للسامع لها أول مرة أنها نون توكيد ثقيلة، مع أنها في الأساس نون وقاية حذف منها حرف ياء المتكلم.

هذا الشيء موجود في لغة العرب منذ العصر الجاهلي، وقد جاء في الذكر الحكيم شواهد لهذه النون، إذ يقول الخالق سبحانه في سورة الفجر: «فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ، وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ»، فإن الناظر في هذا الكلام الرباني يجد أن كل من قوله تعالى: "أكرمن" وكذلك "أَهانَنِ" ارتباط كلا الكلمتين بالنون وهي نون الوقاية التي وقعت قبل ياء المتكلّم المحذوفة، وقد أثبتت هذه الياء في بعض القراءات القرآنية الأخرى وفق هذا الشكل "أكرمني - أَهانَنِي"، دليلاً على وجود هذه الياء المحذوفة.

الظفير ونون الوقاية

في أثناء بحثي واستقصائي شعر قبيلة الظفير، الذي جمعت منه - بفضل الله وتوفيقه - كمّا هائلاً لم يكن في الحسبان أن أجد كل هذا الكم، والذي سيرى النور قريبًا - إن شاء الله - في مصنّف جديد يختص بشعر قبيلة الظفير، حيث وجدت النون الطائية في كلام شعراء الظفير الراحلين، ولم يدر في خلدي أنها نون طائية في أول الأمر، بل تخيلتها نون توكيد، لكن بعد تفحص الشواهد الشعرية وجدت أن هذه النون متصلة بالفعل الماضي وببعض الحروف، ومن المعروف أن نون التوكيد لا تتصل إلا بالفعل المضارع وفعل الأمر، ولا يمكن ارتباطها بتاتًا بالفعل الماضي؛ لأن نون التوكيد عندما تتصل فإنها تشير إلى أمر مستقبلي، بينما الفعل الماضي يشير لحدث وقع وانتهى، وكذلك تتصل ببعض حروف الجر - وهذا عام في كلام الناس - حيث تتصل نون الوقاية وخصوصا بالحرفين (من، عن) فيجب الإتيان بنون الوقاية حينئذ "منّي - عنّي" لكنها تدغم في النون التي قبلها.

أشكال دخول نون الوقاية في شعر الظفير

بعد هذا العرض الذي تمّ التدرج فيه، يجدر بنا الوقوف هنا عند استجلاء الشواهد الشعرية التي تشدّ من أزر هذا الكلام.

- قول الشاعر حمد بن شويش السويط

كان خلك منزله بأرض الثنادي

يا عشيري فوق بصوة يذكرونه

كل يوم يدفع المظهور غادي

البنيّة والعظامي يدهلونه

حيث رجم الطير بالنايف ينادي

هيّضنْ رجم الخلا علّه تخونه

إذ ذكر الشاعر "هيّضنْ" ويلاحظ القارئ وجود سكون على النون، بينما ياء المتكلم محذوفة، إذ الأصل في الكلام "هيّضني".

- دخول نون الوقاية على الفعل المضارع حيث يقول الشاعر عبدالله بن زويران الرسيمي في مدح الشيخ عجمي بن شهيل بن سويط:

الله يعزّك يا ذرانا عن الميل

ألين ولْد شهيل عزّ الرفاقه

وإلا أكثر الشيخان غيره مخاييل

ما تعجبنْ في كثرها واصطفاقه

وكذلك قول الشاعر عواف الصعيليك الذراعي

ليه يا المجمول تغضي لي بعينك

تصفطنْ للموت وحياض المنايا

لا تطيع اللي حكى بيني وبينك

سايسٍ للكذب ويدوّر حكايا

إن المتأمل في كلا الشاهدين سيجد "تعجبنْ - تصفطنْ" سيجد أن كلا الفعلين فعلين صحيحين ليس فيهما أي حرف من حروف العلة، فالفعل الأول أصله "عجب" بينما الثاني "صفط" أما الشاهدان في المثال الأول فكل فعل منها به حرف علّة.

- دخول نون الوقاية على الحرف الناسخ حيث يقول الشاعر والشيخ ظاهر القاف أبا ذراع مخاطبًا دغيّم بن فهد بن سويط:

ليتن حضرته يوم نادى المنادي

من فوق كن اللي المواجيف يدها

فعلي وفعلك في نهار العنادي

وأنت الذي تصلح لها يا فهدها

فقد استخدم الشاعر النون مقترنة بالحرف الناسخ "ليت" الذي هو من أخوات إنّ.

- دخول نون الوقاية على الفعل الناسخ، حيث يقول الشاعر مفرج بن قبلان الذراعي:

آه واويلاه من حلمٍ معيدة

بيّتن عقب السحر وقت الهجادي

حن قلبي حن خلجٍ مع فقيدة

فاختت حيرانهن بأرضٍ بعادي

فالشاعر استخدم الفعل "بيّتن" وهو من مشتقات "ما بات" التي هي من أخوات كان.

- دخول نون الوقاية على الظرفية، كما في قول الشاعر سند الحَشّار الذي قرن النون بظرف الزمان.

أنا أحْمد اللي طيّب الكيف والبال

تِوّنْ على كبْدي دفقْت الزلالي

فكلمة "تِوّنْ" مأخوذة من "التو" التي معناها الآن.

خاتمة

تبدو هذه الاستعمالات لحرف النون، نون الوقاية أو النون الطائية شبه مختفية في كلام الظفير هذه الأيام ما عدا الكثير من بني حسين الذين لازالوا محتفظين عليها، ولا أدري هل هذا الاستعمال الصوتي للنون كان موجودًا في لهجة الظفير لكن الزمن قد طواه، أم أنها ضروريات شعرية لجأ إليها الشعراء.

مهما يكن حال الجواب فإن هذه النون من الوجهة البلاغية تشير إلى وجود إيقاع صوتي مقطعي يتخلل الكلام، إذ إنها أصداء صوتية رنانة تطرب الأسماع، وهذا ما نلحظه بوضوح في كلام إقليم أهل حائل وما جاورها بشكل عام، وقبيلة شمر على وجه الخصوص، وهذا الفعل الصوتي الحاصل من جراء استعمال هذه النون يحدث في جريان الكلام على اللسان خفة في النطق، ورشاقة في حركة إيقاع الحروف، أما من الناحية النحوية اللغوية فإنها تفيد زيادة التوكيد، وإزالة اللبس في الكلام الذي يترتب عليه ارتباك في الفهم، فهناك فرق بين قولنا "تكرمني" وقولنا "تكرمي"؛ لأن وجود النون يزيل الالتباس ويجعل من الكلام واضح الدلالة.
 

الرياض

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية