للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي الحادي عشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

مطاريد لغة الضاد

أ. سناء صليحة

 لغتنا العربية التى حملناها ما لا تطيق فانتحرت على شفاهنا تواجه اليوم محنة جديدة. فبسبب الإرهاب والصور النمطية التى حملت الناطقين بلغة الضاد وزر أحداث العنف فى العالم أصبحت لغتنا الجميلة مثارا للاشتباه ودليل ادانة!! وإليكم بعض من فصول المهزلة اللغوية. 

تعرض مسافران أمريكيان من أصول عربية فلسطينية للمنع من الصعود إلى طائرة فى رحلة بين شيكاغو وفيلادلفيا لأن مسافرا سمعهما يتحدثان بالعربية وشعر بالخوف من السفر معهما!!. وبعد أن استجوبت أجهزة الامن الصديقين طلب ركاب الطائرة منهما فتح علبة بيضاء كانا يحملانها وعندها تقاسم الصديقان البقلاوة التى كانت بداخلها معهم!!. 

فى فيديو مطوّل تداولته بعض وسائل الإعلام العربية ومواقع التواصل الاجتماعى روى الباحث الجزائرى جمال ضوّ ما تعرض له على متن طائرة لمجرد أنه طالب المضيفة بالتحدث معه بلغته العربية الأم!! يقول ضو إنه بعد مشاركته فى ندوة «واقع اللغة العربية فى المدرسة» فى الجزائر العاصمة استقل الطائرة ليعود إلى مدينة وادى سوف. وعلى متن الطائرة التابعة لشركة طيران عربية طالبته المضيفة بِلغة فرنسية أن يُغيّر مكانه. لبى ضو طلبها لكن عدم مخاطبة المضيفة له بلغته الأم (العربية) أوحتّى العامّية أثار دهشته. وتفادياً لإحراجها أمام الركّاب سلّمها قصاصة ورق صغيرة كتب فيها: «تكلّميننى بالفرنسية، هذه ليست لغتى يمكنك أن تتحدّثى بالعربية.. عليك الاختيار». بعد عشر دقائق صعد شرطيّان إلى متن الطائرة وطالبا البروفيسور ضوّ بالنزول. وعلى الأرض، التقى البروفيسور بقائد الطائرة الذى قال له حرفياً إنه يرفض الإقلاع بالطائرة وهو على متنها لأنّه يشكّل خطراً على سلامتها. ولأن الطيار سيد الموقف، كما بررت الشرطة للباحث، فقد صعد بمفرده إلى الطائرة لتحلّق من دون الرجل المدافع عن اللغة العربية!!. 

رغم بعد المسافة بين مطارى شيكاغو والجزائر والاستنكار الذى أثارته كل واقعة على حدة وأن التحسب من وقوع حدث ارهابى كان المبرر لتعرض الركاب الثلاثة لإجراءات تعسفية، إلا أن الواقعتين اللتين توجزان حالة التوجس من الناطقين بالعربية لا يمكن تبسيطهما والتعامل معهما بمنطق الدهشة أو الاستنكار والتحذير من التحدث بلغة الضاد فى مطارات العالم!!. 

فمع الاعتراف بأن الإرهاب الذى يهدد المنطقة العربية ودول العالم تسبب فى إثارة الحذر من الُناطقين بالعربية وأصحاب الملامح الشرقية ولو كانوا يحملون هويات أوروبية، ورغم رفض أن يتم وصم كل مسلم عربى بالإرهاب، إلا أن الواقعتين تطرحان سؤالا حول مدى تأثر لغة تم اعتمادها رسميا فى المحافل الدولية بالمعطيات الاجتماعية والسياسية وتحميلها صورة نمطية سلبية... 

فحالة الهلع التى أثارها صندوق حلوى الأمريكى الفلسطينى الأصل مرتبطة بالأجواء المتوترة التى يشهدها العالم الآن وبالصورة النمطية للعربى المسلم الناطق بلغة الضاد الذى يعرف معظمنا أنه فى سالف العصر والأوان اعتاد ان يحمل معه فى غربته زاده وهدايا من أطعمة غير مألوفة للأجانب.. ففى هذه الحالة تحديدا وفى ظل الأجواء المتوترة ربطت الذهنية الغربية اللغة بالعنف وبلفافة لو أن أى أوروبى حملها لما أثارت تلك الضجة!!. 

وفى حالة البروفيسور الجزائرى يبدو أن استخدامه لتعبير «عليك الاختيار» الذى لا يحمل فى حد ذاته أى دلالات سلبية واستخدمه للتخيير بين الحديث بالعامية والفصحى حمله عقل المضيفة والطيار فى سياق الاحداث الراهنة معنى يشى بتهديد ما، الأمر الذى أسفر عن ذلك السلوك المتعنت. 

فإذا ما تناولنا الواقعتين فى ضوء نظرية عبد القاهر الجرجانى التى تعتبر اللغة منظومة من العلاقات لا مجموعة من الألفاظ، والعديد من نظريات الإعلام والتحليل الثقافى التى تؤكد أن اللغة ليست مجرد مفردات لغوية منغلقة على ذاتها، وأنها مرآة عاكسة لكل نواحى الحياة وأن أفعال الكلام تنقل رسائل ليس فقط عن البناء الشكلى للغة و لكن أيضا عن أنماط الثقافة التى تنظم التفكير والتفاعل مع الاجتماعى، وأن الكلمات تكسب معانيها ودلالاتها فى سياق المواقف وبضبط الكلمة وموقعها من الجملة وطريقة إلقاء العبارة، سندرك أن مشاكل لغتنا قد تجاوزت نطق القاف «كاف» أو تحول الضاد لـ «دال»..!!وإلى ان تنحسر موجة العنف ونتخلص من أسر صور نمطية سلبية سيظل اختيار اللفظ المناسب وطريقة الإلقاء للتعبير عن المعنى فيما بيننا أو مع الآخر، فرض عين كى لا نتحول لمطاريد لمجرد أننا نتحدث بلغة الضاد.
 

الأهرام

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية