للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي العاشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

انتقال اللغة من السلف إلى الخلف - 4

د. محمد سعيد حسب النبي

 

من العوامل المهمة في انتقال اللغة من السلف إلى الخلف هي العوامل الطبيعية كما هو معلوم، ويعني بها علي عبد الواحد وافي الظواهر الجغرافية والفسيولوجية والبيولوجية والأنتولوجية، وما إلى ذلك من الأمور التي تتصل بالبيئة الطبيعية أو بوظائف الأعضاء أو بتطور الناحية الجسمية في الإنسان أو باختلاف الشعوب في خواصها الوراثية وما إلى ذلك.

ومع اختلاف أنواع هذه الطائفة بعضها عن بعض، فإنها تتفق جميعاً في أنها عوامل غير اجتماعية، أي لا تنبعث عن ظواهر الاجتماع ولا تنشأ عن العقل الجمعي. والتطور اللغوي الناشئ عن هذه الطائفة من العوامل، تبدو بعض آثاره في مرحلة انتقال اللغة من السلف إلى الخلف، ويبدو بعضها الآخر فيما عدا ذلك من المراحل. 
وترجع أهم هذه المظاهر إلى أمرين رئيسين: أحدهما البيئة الجغرافية، والآخر اختلاف الشعوب بعضها عن بعض في خواصها الوراثية المتعلقة بأعضاء النطق.
أما البيئة الجغرافية فإن لها أثراً ذا بال في خصائص اللغة وفي كثير من مهارات التطور اللغوي، وذلك أن ما يحدث بين حضارة الأمة ولغتها من توافق وانسجام يحدث مثله بين لغتها ومظاهر بيئتها الجغرافية، فجميع خصائص الإقليم الطبيعية تنطبع في لغة سكانه، وتتجه بها في سبيل التطور وجهة خاصة، ومن أجل ذلك نشأت فروق كبيرة في مختلف مظاهر اللغة بين سكان المناطق الحارة والمعتدلة والباردة، وبين سكان المناطق الجبلية وسكان الصحراء وسكان الأودية، وبين سكان المناطق الشمالية والوسطى والجنوبية، ونشأت فروق غير يسيرة بين أفراد الفصيلة اللغوية الواحدة، بل بين لهجات اللغة الواحدة. ومن أجل ذلك أيضاً غرزت في كل لغة المفردات التي تدور حول مظاهر بيئتها الجغرافية، ودقت دلالاتها، وانبثت في شتى فنون القول. من أجل ذلك أيضاً كان قسط كبير من مادة الخيال والتشبيه في كل لغة مستمداً من مظاهر البيئة وما اختصت به طبيعة البلاد. من أجل ذلك أيضاً تمثل في أسلوب اللغة وفنونها الأدبية ما تختص به بيئتها الطبيعية من تلبد أو صفاء، وقبح أو جمال، وصخب أو هدوء، وتنوع أو اطراد، وتقلب أو ثبات، وما ينبعث عنها من رخاوة أو قوة، وخمول أو نشاط، وخشونة أو نعيم. ولهذا كله يستطيع الباحث معرفة البيئة الأولى التي نشأت فيها لغة ما على ضوء مفردات هذه اللغة، وغزارتها في بعض النواحي وجدبها في نواحي أخرى، وما تجنح إليه أساليبها ومادتها في الخيال والتشبيه وخواص آدابها.. وما إلى ذلك.
وغني عن البيان كما يرى وافي أن البيئة الجغرافية لا تستقل بإحداث أي أثر من الآثار السابقة، بل يتضافر معها على ذلك عوامل أخرى معظمها اجتماعي، وأن التطور اللغوي، حينما يتأثر بالبيئة الجغرافية، لا يتأثر بها في صورة مباشرة، وإنما ينجم عن ظواهر اجتماعية أو نفسية كان لهذه البيئة دخل ما في نشأتها أو فيما تسلكه من مناهج.
وأما اختلاف الشعوب بعضها عن بعض في خواصها الوراثية المتعلقة بأعضاء النطق، فإن له كذلك أثراً لا يستهان به في خواص اللغة وفي كثير من مظاهر التطور اللغوي، وخاصة فيما يتعلق منها بناحية الصوت. وذلك أن أعضاء النطق تختلف في بنيتها واستعدادها ومنهج تطورها تبعاً لاختلاف الشعوب وتنوع الخواص الطبيعية المزود بها كل شعب والتي تنتقل عن طريق الوراثة من السلف إلى الخلف. إن أعضاء النطق تظل مرنة كل المرونة طوال المرحلة الأولى من مراحل الطفولة. فمن المشاهد أن الطفل في هذه المرحلة لا يستعصي عليه اكتساب أية لغة عن طريق المحاكاة، مهما كانت هذه اللغة بعيدة عن لغة أبويه، بل في استطاعته أن يكتسب بهذه الوسيلة عدة لغات أجنبية إذا أتيحت له فرص الاختلاط بالمتكلمين بها، ويصل في إجادتها جميعاً إلى درجة لا يستطيع معها أكبر خبير في اللغات أن يميزه من أهلها. ولكن ليس من شك في أنه كلما تقدمت به السن ظهرت عنده الاستعدادات الصوتية الكامنة الخاصة بأمته، ورسخت لديه عاداتها الكلامية، فتفقد أعضاء نطقه مرونتها شيئاً فشيئاً، وتتشكل بالشكل الذي فطرت عليه في شعبه، وتسلك في تطورها منهجاً خاصاً يختلف عن المنهج الذي تسلكه أعضاء النطق في الشعوب الأخرى.
 

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية