للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي الحادي عشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

البربر واللغة العربية

أ. محمد العروسي المطوي

 لم تكن كلمة البربر سوى إطلاق يوناني كان اليونان يطلقونه على كل من لا يتكلم بلسانهم، تماماً مثلما أطلق العرب لفظ «العجم» على كل من لا يتكلم اللسان العربي. ومثلما حصل لكلمة «عجم» العربية فأصبحت تخص بلاد فارس لشدة اتصالها بالعرب واحتكاكها بهم، فكذلك اختصت كلمة «بربر» بسكان الشمال الأفريقي وغلّبها اليونانيون عليهم، ثم احتفظ بها الرومانيون من بعدهم لما ورثوا حضارة اليونانيين وملكهم الواسع. وواضح أيضاً أن شدة الاتصال بين الرومان والسكان الأصليين بشمال أفريقيا كان لها علاقة خاصة في الاحتفاظ بهذا الإطلاق واستمراره إلى أن قدم العرب الفاتحون إلى هذه الديار.

ودون الدخول في التفاصيل البعيدة عن هذا البحث سنكتفي فقط بالإلماح إلى ما له علاقة بقابلية هذه الأقطار إلى التعريب، وإلى إمكانية انسجام سكانها الأصليين مع الوافدين إليهم من الجزيرة العربية.
فمهما اختلفت آراء النسابين وافتراضاتهم فإن الأقرب إلى الإقناع هو نسبة هؤلاء السكان الأصليين إلى الجنس السامي من بني كنعان. وما تزال كلمة الأمازيغ إلى اليوم تشير إلى مازيغ بن كنعان. كما لا تزال اللغة البربرية تعرف باسم «تمازغت» امتداداً لذلك النسب، واستمراراً للارتباط بذلك الأصل.
إن موجات عديدة ـ على كرّات مختلفة ـ خرجت من الجزيرة العربية فعبرت البحر الأحمر، أو اخترقت صحراء سيناء وانتشرت في القسم الشمالي من القارة الأفريقية، الممتد من سواحل البحر الأحمر شرقاً إلى سواحل المحيط الأطلسي غرباً. ومثلما استطاع البحر الأبيض المتوسط أن يحدد من هذا الانتشار شمالاً، فلقد حددت كذلك فيافي الصحراء الكبرى من توغل تلك الهجرات السامية إلى أفريقيا الوسطى والجنوبية.
وكان قدوم الفينيقيين إلى شمال أفريقيا موجة أخرى ـ حديثة العهد نسبياً ـ من موجات الهجرة السامية إلى هذه الأقطار. فقد اختار الفينيقيون البقاء فيها وتولدت من هجرتهم تلك دولة من أشهر الدول في التاريخ القديم، هي الدولة القرطاجية.
وفي هذا المجال من البحث يمكن القول بأن العرب الوافدين محمّلين بالدين الإسلامي لم يكونوا سوى موجة سامية أخرى أتت إلى المغرب العربي، والتحق أصحابها ببني عمومتهم السكان الأصليين من الأمازيغ والفينيقيين.
وقد وجد قدماء السكان في هؤلاء الوافدين الجدد ما يشعرهم بسهولة الانسجام معهم والامتزاج بهم، وهو الذي لم يجدوه عند من سبق إليهم من يونان ورومان وبيزنطيين. هذا بالإضافة إلى ما تقدم ذكره من أن العرب جاؤوا معهم بدين يدعو إلى المساواة، ويأمر بالعدل ولا يفرق بين الأجناس والألوان.
وكان هذا الدين الجديد يحتاج من اعتنقه إلى وسيلة تقربه منه وتفهمه معانيه ومراميه. ولم تكن تلك الوسيلة إلا اللغة العربية، لغة القرآن والعبادة من ناحية، ولغة السياسة والإدارة من ناحية أخرى.
هناك إذن دافعان اثنان ـ على الأقل ـ يحفزان البربر إلى تعلم اللغة العربية: دافع ديني روحي، ودافع مادي دنيوي. ومما لا شك فيه أن الدافع الديني كان أقوى وأعظم وأقدر على الصمود والثبات أمام التيارات والأحداث.
الدافع الديني تلقائي شمولي يستوي أمامه جميع المؤمنين. أما الدافع المادي فهو ـ من جهة ـ لا يمثل العموم والشمول، وهو ـ من جهة أخرى ـ لا يمثل الاستمرار والدوام.
وأمر آخر لا يمكن إغفاله كذلك، هو الصلة بين اللغة البربرية باللغة الفينيقية التي تتلاقى مع العربية في اللغة السامية الأم، وكذلك التشابه البشري والاجتماعي من ناحية الهيكل الجسماني، ومن ناحية العادات والتقاليد.
وكان طابع السذاجة والبداوة السائد على كل من الجنسين يكون نقطة التقاء من الناحية النفسية والاجتماعية. وهي نقطة لم يكن يجدها البربر عند الموجات البشرية الأخرى التي سبقت الموجة العربية.
فماذا كانت النتيجة؟
كانت النتيجة هي استقرار الإسلام وتمركز اللغة العربية، وصمودها أمام أحداث التاريخ، وتقلبات الزمان. وكانت النتيجة كذلك ما نراه من وضع معاكس لما هو موجود هنا إذا قارناه بأطراف أخرى من الرقعة الإسلامية في أقصى اتساعها. فبعض تلك الأطراف تقلص منه الإسلام، وامحت منه العربية، والبعض الآخر استقر فيه الإسلام ولم تسد فيه العربية.
وإذا كان لا يهمنا ـ هنا وفي هذه المقارنة ـ تلك الأقطار التي تقلص منها الإسلام مثل إسبانيا وصقلية، فإن الذي يهمنا في هذه المقارنة هي الأصقاع الأخرى التي ما تزال تدين بالإسلام. ولكن اللغة العربية لم تبق لها السيادة فيها، أو لم يبق لها شيء ذو بال.
وكي تتضح المقارنة أكثر يجب أن نمعن في الحصر والتدقيق بلقاء هذا السؤال: لماذا أصبح الشمال الأفريقي ضمن العالم العربي، ولم تصبح أقطار أخرى مثل المجموعة التركية أو الإيرانية أو الهندية؟
إن بعض تلك الأقطار لا يبعد عن مهد العرب مثلما يبعد هذا الشمال الأفريقي. كما أن البعض من تلك الأقطار انتصبت فيه الممالك الإسلامية الواسعة، وازدهرت فيه الثقافة والآداب العربية عدة أجيال وعدة قرون. وشارك الكثير منها مشاركة إيجابية كبرى في نشر الإسلام والدعوة إليه وتوسيع رقعته، بل وصل البعض منها إلى أن يصبح ملتقى أنظار العالم الإسلامي، ومركزاً للخلافة الإسلامية.
إنما مرجع ذلك إلى تلك العوامل النفسية والاجتماعية التي عددناها سابقاً، وإلى ذلك التقارب الملحوظ بين السكان الأصليين المعروفين باسم «البربر»، وبين العرب الوافدين عليهم من الجزيرة العربية.
وكنتيجة لهذا الإحساس بالتقارب وبعدم النفرة، وجد مظهر سياسي آخر لوحظ في المشرق الإسلامي، ولم يلاحظ في مغربه. هذا المظهر هو مظهر النزعة الانفصالية عن العروبة ولغتها، والتمسك باللغة الأصلية لشعوب تلك الأقطار مثلما حصل بالنسبة إلى فارس والشعوب الطورانية. فنحن عندما نستعرض التاريخ السياسي في المغرب العربي ـ خاصة في تونس ـ لا نجد السيادة العربية في الجنس العربي إلا في عصر الولاة ودولة بني الأغلب. أما بعد ذلك فالقيادة أصبحت لقبائل بربرية أصيلة تكونت منها دول عظيمة الشأن، وازدهرت فيها الحضارة والمدنية، وبلغت من أوج العزة والمناعة ما يمكنها من أن تصبح في حل من التمسك باللغة العربية واستبدالها بلغتها البربرية وتبقى محافظة على العقيدة والدين الإسلامي كما بقيت دول المشرق الإسلامي مثل تركيا وإيران وأفغانستان.
لكن البربر لم يفعلوا ولم يستنكفوا من التمسك بالعربية والتدين بالإسلام. وما ذاك إلا لما تقدم سابقاً من وجود هذه الصلات الوثيقة، وهذا التشابه الكبير، وذلك الارتباط التاريخي المستمر.
مجلة «الحياة الثقافية»، كانون الثاني (يناير) 1975
 
متعدد المشاغل
كتب الأديب والمؤرّخ والسياسي التونسي (1929 ـ 2005) الشعر والرواية والقصة القصيرة والنقد الأدبي، كما وضع مؤلفات في التاريخ والتراث والفولكلور. كذلك أسس ـ مع الشاذلي القليبي، محمد المزالي، البشير بن سلامة، مصطفى الفارسي، حسن الزمرلي، محمد المرزوقي، والحبيب بلخوجة ـ  اتحاد الكتّاب التونسيين، سنة 1971، ثم ترأسه طيلة عشر سنوات، 1981 ـ 1991؛ كما ترأس الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب سنة 1990. حياته لم تخل، أيضاً، من العمل الدبلوماسي والسياسي، إذْ شغل سفارة بلاده في العراق ومصر والمملكة العربية السعودية، كما انتُخب نائباً سنة 1965، ولأربع دورات متتالية.
في الدراسات أصدر العروسي المطوي مجموعة أبحاث متنوعة، كان أولها كتابه «التعليم الزيتوني ووسائل إصلاحه»، سنة 1953؛ ثم، «الحروب الصليبية في المشرق والمغرب»، «جلال الدين السيوطي»، «امرؤ القيس»، «أسس التطور والتجديد في الإسلام»، «من طرائف التاريخ»، «فضائل إفريقية في الآثار والأحاديث الموضوعة»، «سيرة القيروان»، «السلطنة الحفصية». كما حقق بعض أعمال التراث الهامة، بينها، «خريدة القصر وجريدة العصر»، «تحفة المحبين والأصحاب»، «أنموذج الزمان في شعراء القيروان»، «مسائل السماسرة» لأبي العباس الأبياني، و»بساط العقيق في حضارة القيروان وشاعرها ابن رشيق». في الشعر أصدر «فرحة الشعب»، «من الدهليز»؛ وفي الرواية تظل «حليمة»، 1964، هي الأشهر، تتبعها «التوت المر»، «رجع الصدى»، والمجموعة القصصية «طريق المعصرة»؛ وله مسرحية «خالد بن الوليد»، وسلسلة قصص للأطفال. وهكذا كان متعدد المشاغل والأجناس الكتابية، حقاً.
تميّز إبداع العروسي المطوي بمقاربة الموضوعات الوطنية (النضال ضد الاستعمار الفرنسي)، والاجتماعية (العادات والتقاليد في الأرياف تحديداً، وأوضاع المرأة التونسية خلال الخمسينيات)، وتسجيل ذاكرة المكان (معالم العمارة في القرية والمدينة)، وإحياء الفولكلور الشعبي (الحكايات والأقاصيص والأشعار). ورغم اقترابه من السلطة، دون انغماس مباشر فيها، فقد كانت للعروسي كتابات شجاعة في الدفاع عن حرية الرأي وحقّ التعبير ورفض الرقابة.
 

القدس العربي

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية