|
|
|
|

عودة العربية لتركيا الجديدة
أ. عبدالله الملحم
لعقود طويلة ظل الشعب التركي المسلم محروماً من التواصل مع لغته الأم، التي كانت تُكتب بحروف عربية، قبل أن يقوم مصطفى كمال أتاتورك بوأد الحرف العربي، وإلغاء العمل به في 1928م، بعد أن كان وسيلة الكتابة التي استخدمها الأتراك قروناً في مكاتباتهم، وهم يبنون إمبراطوريتهم العظمى، المتمدّدة على أهم قارات العالم الخمس "آسيا، أوروبا، إفريقيا"، ما حدث نكسة ثقافية فَرضت على الشعب التركي القطيعة بأمته الإسلامية وقرآنها، الذي كان الأتراك يستشعرون قدسية لغتهم كلما أمسكوا المصاحف وصافحت عيونهم أحرف القرآن الكريم، ومذ ذلك التاريخ (1928م) وهم يعيشون قطيعة ثقافية، ولغوية، وتغييراً لأحد أهم ملامح هويتهم الوطنية، التي شملت إجبار الناس على تغيير أزيائهم، وحملهم على ارتداء الأزياء الغربية، وغير ذلك من مظاهر التغريب، التي قطعت صلة الشعب التركي بجذور ثقافته، وهويته؛ وحضارته الضاربة في أعماق التاريخ.
حين يدخل السائح العربي المساجد والقصور التاريخية، حيث أهم معالم الحضارة العثمانية في إسطنبول، وسائر المدن التركية لابد وأن تسترعي انتباهه جماليات الخط العربي، المحفور في أسقفها وحول محاريبها ومنابرها، وما يقرأه السائح العربي بغير عناء في مساجد أيا صوفيا، والسلطان أحمد، وسليمان القانوني.. وسائر المتاحف والقصور والأسواق التاريخية، يراها معظم الأتراك ولا يستطيعون قراءتها لانقطاع صلتهم بالحرف العربي، كما انقطعت صلتهم بثروة هائلة من تراثهم الديني والفكري والأدبي والثقافي، في خزائن مخطوطاتهم، ومؤلفات علمائهم، وقصائد شعرائهم!.
أما الآن وبعد عقود من التغريب والتغييب والقطيعة مع كل ما هو عربي، ها هي اللغة العربية تعود للتعليم الابتدائي في تركيا الجديدة، تركيا حزب العدالة والتنمية، الذي استطاع في سنوات معدودة النهوض بكيان وطني قوي متوثب للتطور والتنمية، غير الذي استحوذ عليه العسكر، وأركسوه في قيعان الفساد والوهن الاقتصادي، وفي مبرّرات قرار مجلس التربية والتعليم لفرض تعليم اللغة العربية كمادة اختيارية في المرحلة الابتدائية، جاء مضمون القرار كما نشرته "ترك برس" معرباً عن: كون اللغة العربية إحدى اللغات الست الرسمية المعترف بها من الأمم المتحدة، ولأسباب تاريخية وثقافية تستدعي تعلّمها لمكانتها الدينية في الدول المسلمة، ولازدياد أهمية المنطقة التي تتكلم اللغة العربية، من الناحية الجيوسياسية والإستراتيجية، ما جعل تعلمها مهماً لدواعٍ اقتصادية وسياحية وتجارية وسياسية، إلى جانب الأسباب الدينية، ولوجود آثار عربية عديدة في ميراثنا الثقافي، يجعل هذه اللغة مهمة لتاريخنا.
اللغة العربية لم تعد كائناً غريباً عن الشعب التركي المتدين بفطرته، ومشاهدته للافتاتها في بعض المتاجر والأسواق، وفي قوائم بعض المطاعم، ولافتات التعريف بالمواقع الأثرية والسياحية يشعر الأتراك بدفء عاطفي وديني يشدّهم لعقيدتهم، لتراثهم، لحضارتهم، لأيقونات مساجدهم، وقصورهم التاريخية، لكينونتهم الفكرية والثقافية والأدبية، لقصائد آبائهم وأجدادهم المكتوبة بحروف عربية، ولابد أن جيلاً سيأتي يتقن العربية، ويكسر أطواق بُعده عنها، ويمد جسور تواصله مع تراثه المكتوب بها، فيقرأها كما لم يقرأها من قبل، ومن خلال زياراتي لإسطنبول أرى "العربية" تنمو على وجه هذه المدينة الساحرة، هناك جديّة من حكومة "العدالة والتنمية" لتأكيد حضور "العربية" في الحياة العامة، كملمح ثقافي أصيل ذي صلة بالثقافة التركية، وخدمةً للسائح العربي الذي باتت تركيا إحدى أهم الوجهات المفضّلة لديه، وآخر الإجراءات المتخذة لهذا الغرض تخصيص الشرطة التركية رقماً هاتفياً على مدار الساعة للرد باللغة العربية، خدمة للسائح العربي، كما أعلن عن ذلك مستشار رئيس الوزراء التركي طه كينتش، في تدوينة على حسابه في تويتر، والقادم أجمل للغة القرآن في هذا البلد المسلم، الذي يسعى لتوثيق صلاته بأمته وتقاربه منها؛ تعويضاً عن عقود طويلة من تباعده عنها.
الراية
|
|
|
|
|
|