د. يعقوب الشراح
يطول الحديث عن المصطلح العربي والخلافات حوله في عالمنا العربي الذي أصبح نموذجاً للخلافات على كل شيء حتى اللغة والترجمة والنشر والمصطلح لم تسلم من تداعيات الخلافات السياسية والفكرية. وعندما ننظر في مشكلة المصطلح في اللغة العربية، فإننا نجد أسبابا كثيرة تجعل المصطلح العربي مشكلة علمية وثقافية، بل وحضارية باعتبار أن المصطلح تعبير عن قوة ومكانة اللغة، وأداة لقدرة اللغة على استيعاب كل جديد في عالم المعرفة المتجددة.
إن اللغة العربية لم تسلم من الاحتقار والإهمال من أهلها؛ وكذلك المصطلح المعبر عن دلالات ومضامين علمية لميادين المعرفة المختلفة. فلقد أصبح المصطلح اليوم ركنا مهما في لغات العالم الحية، وأساسا في تطوير اللغة ونقل المعارف من مكان لآخر، بل إن الترجمة والتأليف والنشر والنقل مجالات يصعب تحقيقها من دون الاعتماد على المصطلحات ومرادفاتها.
وعندما نبحث في المصطلح على مستوى اللغات العالمية، فإننا نجد أنه في نمو وتزايد مستمر، ويتكاثر يوماً بعد يوم، وسنة بعد أخرى. ولأن اللغات العالمية كالإنكليزية والفرنسية لهما جذور تساهم في مواكبة النظريات الحديثة والمستجدات في عالم التكنولوجيا والصناعة والمعلوماتية، فإن التمسك بهذه الجذور مهم في تفعيل دور اللغة، وزيادة صلابته.
ولقد وجد من الدراسات المصطلحية أن إشكالية المصطلح العربي تقع في عزوفه عن التقيد بما يسمى «التوحيد»، وشدة تأثره بالعامية الدارجة، وبُعده عن المنهجية العلمية في الاشتقاق والنحت والتفسير. لهذا فإن الخلاف على المصطلح العربي خلق «فوضى المصطلح» بسبب عدم الأخذ بتوحيد المصطلح في ميادين العلم المختلفة. وحتى في حال وجود مصطلحات موحدة، كما في العلوم الصحية والطب، فإن الالتزام العربي بهذه المصطلحات والتمسك بها واستخدامها في الأقطار العربية متروكة، للأسف، للاجتهادات الشخصية، والدوافع الذاتية.
وللاستدلال على معضلة المصطلح العربي، يمكن الإشارة إلى بعض الأمثلة من التباينات أو الخلافات على ما يجب الاتفاق عليه. هناك مفردات كثيرة تستخدم مثلاً لمصطلح «ميكروسكوب»، كالقول بالمجهر أو مجهار، وكذلك كلمة «ترمومتر» كالقول بميزان الحرارة، أو محرار. وكذلك كلمة «نواة» الخلية التي تترجم إلى «جويزة» وأحياناً تسمى نواة وغيرها من كلمات متداولة تعكس الاختلاف الكبير على عدم استخدام مصطلحات موحدة وإدخال المفردات الدارجة في البيئات المحلية.
ويبدو أن الاختلاف في المصطلحات العربية، وإن كانت لها أسباب عديدة، إلا أن أكثر هذه الأسباب تعود إلى اختلاف البيئات العربية التي تستخدم لهجات محلية مختلفة، فضلاً عن تعدد الآراء وتباين الأذواق. هناك من يرى أن الاختلاف المصطلحي يعود إلى تأثر دول مثل العراق والأردن ومصر، بالثقافة الإنكليزية، وتأثر دول أخرى مثل سورية ولبنان وتونس والجزائر، بالثقافة الفرنسية، حيث اختلطت المصطلحات العربية بالأصول الإنكليزية أو الفرنسية للكلمات.
لكن هذا التبرير ليس هو الوحيد في الاختلاف على المصطلح العربي، وإنما هناك دوافع أخرى ترتبط بالتقاعس عن العناية باللغة العربية، والانبهار باللغات الأجنبية وتعلمها على أنها لغات قوم أقوياء، وشعور خفي بالدونية تجاه الذات وما تمتلك من طاقات ومقومات لا تقل عن ما هو متاح أمام الآخرين.
الراي