للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي الحادي عشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

اللغة العربية، وهل هي كل الأزمة ..؟

أ. محمد بودويك

 اللغة وعاء الفكروالثقافة والحضارة، مصهر الروح، والنفس، والعقل، دالة على وجود الإنسان، ودال بها عليه، وهو يبني ويشيد، ويرنو، ويشرئب، ويقيم.

ولها وجهان إجرائيان ـ كما يقتضي تصور المقالة ـ، من حيث هي أداة ووسيلة، وتبادل رسائل وأفكار، وتفكيك شفرات، والتوافق حول مواضعات بعينها. ومن حيث كونها حامل قيم التربية والتكوين، وتعليم الإنسان ما لم يعلم.

أما الوجه الأول، فَنُبادِه ُبالقول إنه يحيلنا على أزمنة ولَّتْ ودارت عبر مُدَدٍ ممتدة، متجذرة، ومتعاودة، ولا تزال ـ للأسف ـ مستمرة ومتبلورة ضمن أوجه خطاب حاضر، ومقامات أدبية ولغوية ونحوية وبلاغية لاتني تستعاد بصيغة مكرورة أشاعت الصدأ في مفاصلها، وأطرافها، وجذعها ورأسها.

اللغة العربية خشَّبَهَا الوعظ والإرشاد، والفقه والنحو المعياري الذي ما فتيء يتسيد الموقف في المناهج والبرامج الدراسية. ووثَّنها رجال يرونها قدسية مقدسة باعتبارها لغة القرآن الكريم، نزل بها الوحي، وتكلم بها النبي الأكرم، وهي لغة أهل الجنة فيما تقول الخرافة " الفقهية " المتحدرة إلينا من عصور الظلام والشعوذة والانحطاط.

اللغة العربية تعاني اختناقا في الرئتين لأن الهواء الذي يدخلها هو دخان ملوث، والدم الذي يجري فيهما، وفي باقي جسدها، دم فاسد، وبناؤها: أوتاد، واسباب، وفواصل، وخيمات، ومحاريب، وحريم.

ومن ثَمَّ، فالصراع الهوياتي، والجهد الاستثنائي المبذول من لدن الحداثيين والتجديديين ـ منذ أكثر من قرن ـ ( جبران خليل جبران العظيم: لكم لغتكم ولي لغتي ) ـ ، الصراع يدور على جبهتين، وضمن معركتين: معركة التشذيب والتهذيب، والتطويع، والتحديث، والعلمنة، لتستوعب روح العصر وتماشيه، وتنخرط فيه لتؤدي رسالتها إلى جانب رسالات اللغات الحية الطاغية وفق متطلبات العصر، ونزوعاته، وأسئلته، وتوجهاته، ومراميه، إذا شِيءَ لنا أن نعولمها، وتضحى لغة علمية تكنولوجية تُطَوِّعُ المباني والمعاني، وتنحت للفكر العربي المتوثب الحي، بناءات وصياغات سهلة ميسورة، منسابة يتلقفها الخاص والعام، ويقبل عليها الأغيار لأنها تكون تحررت من البلاغة الثقيلة، والقواعد النحوية المعقدة، والأساليب الجافة اليابسة والمتكلسة. ثم معركة ثانية مُسَامِتَة للأولى، ومندغمة معها حيال السَّدنَة الذين ندبوا أنفسهم حراسا لها، وزبانية على بوابتها، والناطقين الربانيين باسمها، والمحافظين على جذورها وأصولها، وسيماها الأول كما قُعِّد لها، وكما نطقها العرب سليقة في الجاهلية، والصحابة، والتابعون، وتابعو التابعين إلى يوم اللغة الكبر يوم الدين حيث سيجتمع الخلق أجمعين على حفظها ولوكها وتهجيها ثم الكلام المبين بها

أما الوجه الثاني، فنقول فيه إنه لا يصح ولا يستقيم الحديث عن إنجاح التعليم والتربية والتكوين، بحصر النجاح إياه في اللغة، أو اللغات المستعملة ( لغات التعلم، وتعلم اللغات )، كما يدور في أدبيات الوزارة الوصية، والمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، من حيث تدريس وتقديم العلوم والرياضيات والفيزياء باللغة الإنجليزية أو بالفرنسية، أو باللغة العربية الفصحى، والحال أن اللغة هي وسيلة وأداة وتعبير عن هوية مركبة ثرية، ووجود، تنكسر في الطريق إذا لم نوفر لها الفضاء والمحيط الملائمان المواتيان، والبنيات والتجهيزات الضرورية، وآليات التقريب والتمكين، والإقبال، والتخصيب. مع أننا نقول ـ من دون مداورة ولا عقدة نقص ـ بأن اللغة الأنسب ـ الآن ـ لتنمية وتطوير حضورنا العلمي والتكنولوجي، هي اللغة الإنجليزية، أو اللغة الفرنسية، في انتظار أن ننهض / تنهض العرب العاربة، والعرب المستعربة بلغتها، وأن تضخ المال الوفير ـ والعرب لا تعدمه ـ في الترجمة، والنحت، والبناء والشكلنة، والتشقيق، والتطويع، ما يعني الابتعاد عن التقعير والتقعيب، و" التبالغ " العويص المستعصي.

الأديب كالحقوقي، كالطبيب، كالفيزيائي، كعالم الاقتصاد في شرع المؤسسات العلمية الأكاديمية الكونية في اليابان، والصين، والهند، وروسيا، والولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، والمانيا، وفرنسا، وفي شرع " مؤسسة نوبل ".

كل هؤلاء مدماك، وحجر الزاوية في بناء سؤدد الأمة والمجتمع ثقافيا وحضاريا ووجوديا.

لا جدوى من الهندسة وحدها إن لم تكن مشروطة ومصحوبة بمناخ مُوَاتٍ، ومزاج ثقافي متوفز يقظٍ، وبنية ذهنية متوقدة قائمة ومتوافرة ومنتجة.

كما أنه لا فائدة من العلوم والآداب، والفنون، والموسيقا، سواء ألبست العربية المحض، أم الفرنسية، أم الإنجليزية، في بلاد يمتص قُرَّادُ الأمية دمها، ويشرب خفاش التطرف، والتخلف والتواكل، والاستنامة والاستكانة ضرعها.

ثم إن عجبي لا ينتهي، ونحن ـ أفرادا ومؤسسات وجمعيات لغوية ـ تربوية ـ نتحدث ونتنابز ونتدايك حول وجوب هيمنة اللغة العربية الفصحى في كل أطوار التعليم، وحمل أبنائها على تعلمها والتكلم والتعبير بها في كل الأحوال، والظروف، والمقامات بينما الدولة لا تعيرها أدنى اهتمام، وولا تقوم ـ قلامة ظفر ـ بإحلالها الفضاء العام، والمؤسسات المختلفة، والقطاعات العديدة.

لا معنى لدستور يقر رسمية وأولوية اللغة العربية مع الأمازيغية، ثم لا نرى من ذلك أثرا في الواقع العيني الحي، أي في المراسلات الإدارية، والمجالس الحكومية، والإعلام التلفزي، والندوات التي يقيمها الإعلام، إذ غالبا ما نلجأ إلى اللسان الدارج، أو " العرنسية "، في توصيل أفكارنا. زد على ذلك، غيابا شبه كلي من الحياة العامة على رغم أنف المشرع، والأكاديمية الملكية، والدستور في الأول والأخير.

إنها لمفارقات تدعو إلى الاستغراب والعجب، وكيف لا ؟ ونحن نقول كلاما " مسئولا "، نتفق حوله صباحا، لننقضه مساء كمثل " بينلوب" التي أفنت عمرها تغزل، وتنقض ماغزلت وقد أعياها الانتظار. الدستور جيد في ديباجته وتنزيلات فصوله، وأبوابه وبنوده لغويا، لكن الواقع عنيد، والمعيوش الشعبي اليومي يكذب جودته، وشقشقته اللغوية، ويقوم شاهدا على زور كلام مدعيه، والذين لا يفتأون يستحضرونه في الموائد والجلسات، ويستنزلونه ويلوكونه كما يلوكون علكا في قاعة انتظار مغلقة يتصادى الخواء بين جدرانها. ذلك أن الحكومات المتعاقبة، وفيها وزراء التربية والتعليم، لم يفعلوا أكثر من تدبيج الكلام، ونسج الخطب، وإعداد التقارير الفارغة، وإصدار المذكرات التي تلغي المذكرات في سلسلة عبثية مترابطة الحلقات، سلسلة بهلوانية وعبثية عجيبة بما لا يقاس.

والسؤال لِمَ ؟، والجواب هو: لأنه لا إرادة سياسية واستراتيجية حاسمة لديها. لكن، من يمنعها؟ أية يد خفية، أية ريح تُحَوِّل اتجاه النوايا الحسنة، والعزائم الوطنية الصادقة، نحو السديم والمجهول ؟

ذلكم هو السؤال، وتلك هي المسألة فيما يقول عطيل شكسبير؟.
 

هسبريس

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية