للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  دعوة للمشاركة والحضور           المؤتمر الدولي العاشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

اللغة والهوية والعولمة بين اللغة والاصطلاح

د. جيلالي بوبكر


أ- تعريف اللّغة:

1- المعنى اللّغوي:
   جاء في لسان العرب لابن منظور في تحديد الاشتقاق اللّغوي لكلمة "اللّغة" ما يلي:
"اللّغة من لغا في القول يلغى وبعضهم يقول يلغو ولغي يلغى لغة ولغا يلغو لغوا:تكلّم. وفي الحديث: من قال يوم الجمعة والإمام يخطب لصاحبه صه فقد لغا أي تكلّم ...واللغة: اللَّسنُ وحدّها أنّها أصوات يعبّر بها كل قوم عن أغراضهم، وهي فُعلة من لغوت أي تكلمت أصلها لُغوَة والجمع لغات ولغون".
لفظ اللّغة يرادفه لفظ الحديث أو التحدث ويرادفه الكلام أو التكلم.
2- المعنى الاصطلاحي:
   لا يوجد تعريف واحد لدى علماء اللّغة للّغة متفق عليه بل تعددت التعريف وتباينت نذكر بعضها:
- تعريف ابن جني للّغة:"أصوات يُعبّر بها كل قوم عن أغراضهم".  
- عرّفها آخر:"وسيلة صوتية يستخدمها الإنسان للتعبير عمّا لديه من أحاسيس أو أفكار، وهذه الوسيلة تمكنّه من التفاهم مع الآخرين".
- عرّف القدماء اللّغة بأنّها أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم، ولم يتجاوز المحدثون هذا التعريف، لكن عند ربط اللّغة ليس بوظيفتها بل بالإنسان ككل "فاللّغة هي الإنسان، وهي الوطن والأهل، واللّغة هي نتيجة التفكير..هي ما يميّز الإنسان عن الحيوان وهي ثمرة العقل والعقل كالكهرباء يُعرف تأثيره ولا تُرى حقيقته". 
- وتُعرّف اللّغة عند علماء النفس اللّغوي بأنّها «مجموعة إشارات تصلح للتعبير عن حالات الشعور، أي عن حالات الإنسان الفكرية والعاطفية والإرادية".
اللغة في ربطها بوظائفها أو في ربطها بالإنسان فهي أداة تفكير وتعبير وتواصل وتفاهم على المستوى الفردي أو المستوى الاجتماعي الأممي والإنساني عامة، وعلى الصعيد الثقافي والحضاري، اللغة هي الإنسان والحياة الإنسانية وخارج اللغة لا تتجسد ولا تتحقق الإنسانية بأبعادها المختلفة.

ب- تعريف الهوية:
1- المعنى اللغوي:
   لفظ "هوية" مشتق من الضمير الغائب "هو" الذي تحوّل إلى اسم "هوية" وترادف كلمة هوية في اللغة العربية عدة ألفاظ نذكر منها: 
- الذاتية ليس بمعنى تدخل الذات في الموضوع  في مقابل الموضوعية بل تعني العناصر والمكونات الثابتة التي تحدد وجود الشيء، بهذه العناصر يوجد الشيء ومن غيرها ينعدم ويزول.
- حقيقة الشيء وجوهره
- ماهية الشيء 
- الذات الفردي والذات الجماعية
- تعريف الشيء وحدّه
   ويُعرّف "حس حنفي" الهوية انطلاقا من اللفظة واشتقاقها اللغوي وما يعادها في الحرف اللاتيني ويربطها بالأنا وبمعناها لدى الفلاسفة قائلا: 
"الهوية من الضمير "هو" يتحول إلى اسم. ومعناه أن يكون الشخص هو هو. هو اسم إشارة يحيل إلى الآخر، وليس إلى الأنا. وهو ما يعادل الحرف اللاتيني Id. ومنها اشتق أيضاً لفظ Identity. أما لفظ الإنية فهو يعادل الحرف اللاتيني Ipse ومنها اشتق Ipseity. وبالتالي تمنع كل أنانية وخصوصية لأن الهوية تثبت الآخر قبل أن تثبت الأنا. لا تشتق الهوية من ضمير المتكلم المفرد "الأنا" إلا بمعنى الأنانية في مقابل الغيرية. أما لفظ "الإنية" فأنه مشتق من "إن" حرف توكيد ونصب. ومعناه أن يتأكد وجود الشيء وماهيته من خلال التعريف.
   ويماثل لفظ "الهوية" لفظ "الماهية" عند الفلاسفة أي جوهر الشيء وحقيقته. الهوية تماثل بين الأنا والهو في حين أن الماهية تماثل بين الشيء ونفسه. وهو أيضاً لفظ مشتق من أداة الاستفهام "ما"، وضمير الغائب المؤنث "هي". يستعمل في التعريف في حين أن لفظ "الهوية" يُستعمل في الوجود. أما لفظ "جوهر" فهو صورة فنية من المعادن الثمينة ويعني اللب والحقيقة أغلى ما في الشيء".

2- المعنى الاصطلاحي:
   لا يوجد تعريف متفق عليه لدى الفلاسفة والمفكرين وعلماء السياسة والاجتماع وغيرهم للهوية، بل توجد تعاريف مختلفة باختلاف مجالات المعرفية الإنسانية والاجتماعية، معناها يتغير من مجال معرفي إلى مجال معرفي آخر، من علم النفس إلى المنطق إلى علم الاجتماع إلى علم السياسة إلى غير ذلك من التخصصات الواسعة أو الضيقة التي تتناول موضوع الهوية بالبحث والدراسة.
- في المنطق الأرسطي الهوية أو الذاتية قانون يحكم الفكر والتفكير ويجنّبه الوقوع في الخطأ والتناقض خلال عملياته الاستدلالية، مؤداه ومفاده أنّ الشيء هو هو ثابت لا يتبدل ولا يتحول من هو إلى ليس هو، فلا يكون الشيء هو وليس هو في الوقت نفسه، إمّا الشيء هو أو لا هو.
- في علم النفس ترتبط الهوية بالشخصية التي تتحدد بجانبين أساسيين، جانب يتميز بالكثرة والتغير ويخص مكونات الشخصية البيولوجية والنفسية والاجتماعية وكل ما هو قابل للزيادة والنقصان وقابل للتغير والاندثار، وجانب يتميّز بالوحدة والثبات ويخص الأنا أو الذات الواحدة الثابتة التي تبقى هي هي لا تتغير ولا تزول، فالذات أو الأنا تمثل هوية الشخص وذاتيته. ففي الشخصية تجتمع الوحدة مع الكثرة والتغير مع الثبات من غير تناقض، بمعنى أنا أو ذات واحدة ثابتة تعيش التغير والكثرة في الأحوال والصفات.
- في الفلسفة تعني الهوية الماهية أي جوهر الشيء وحقيقته، ومنه جاء التعريف المنطقي في الفلسفة القديمة للحدود بالماهية لا بالعرض وبالحد التام لا بالحد الناقص وبالجنس القريب والفاصلة النوعية.
ويختلف معنى الهوية من فلسفة إلى أخرى ومن فيلسوف إلى آخر ومن مرحلة تاريخية إلى أخرى، يختلف باختلاف الأنساق الفلسفية والفكرية والإيديولوجية ويكون تابعا للسياقات التاريخية التي عرفها الفكر عند الإنسان وعرفتها حياته.
- في علم الاجتماع ترتبط الهوية بالمجتمع وتتحدد به وهي ظاهرة اجتماعية تحدد ماهية المجتمع من حيث هو تركيبة بشرية مكوناتها كثيرة متداخلة ومتشابكة، تركيبة متطورة باستمرار، فيها الثابت وفيها المتحول، وهوية المجتمع وهوية الفرد جزء منه تتحدد بالعناصر الاجتماعية الثابتة في المجتمع والتي لا يوجد المجتمع من دونها، وهي عناصر اجتماعية بحتة وسياسية واقتصادية وثقافية ودينية وتربوية وغيرها، فالجانب الثابت الدائم الواحد الذي لا يتغير بتغير الأوضاع والظروف في الفرد وفي المجتمع وفي الطبيعة ومن دونه لا يقوم مجتمع ما وينهار بانهيار هذا الجانب هو هوية هذا المجتمع، مثل الإسلام في المجتمع الإسلامي، واللغة العربية في المجتمع العربي، واليهودية في المجتمع اليهودي واللغة الهندية في المجتمع الهندي، ويختلف المقوم  الذي يحدد هوية المجتمع من مجتمع إلى آخر دينيا كان أو عرقيا أو طائفيا أو غيره.
- في السياسة والإيديولوجيا يختلف مفهوم الهوية من اتجاه إلى آخر وما أكثر الاتجاهات السياسية والأيديولوجية، وبالتالي تتعدد وتتنوع الهويات بحسب مقوماتها التي هي مقومات الأمة، فتتعدد الهويات وتتباين بتعدد وتباين اللغات والثقافات والجغرافيا والتاريخ والأديان والأعراق والأوطان ووحدة الماضي والمصير المشترك وغيره، قد تتحدد الهوية بمقوّم واحد وقد تتحدد بأكثر من مقوّم، فالأمة الإسلامية هويتها تقوم على الدين الإسلامي وداخل الأمة الإسلامية توجد هويات كثيرة مثل الهوية السنية والهوية الشيعية والهوية الكردية والهوية التركمانية والهوية الأمازيغية وغيرها، ففي الغرب تتحدد الهوية بالوطن واللغة فعرفت أوربا الهوية الفرنسية والهوية الإنجليزية والهوية الإسبانية والهوية الألمانية وغيرها.
   يتضح مما سبق بالنسبة لمفهوم الهوية اصطلاحا لا يمكن حصره في جانب ما كما لاحظنا تناولها من طرف الفلاسفة وفي العلوم الإنسانية والاجتماعية، لكن المتفق عليه أنّ الهوية تعبر عن حقيقة الشيء وماهيته سواء على المستوى فكري والمنطقي قانون الذاتية أو على المستوى الفلسفي ماهية الشيء وحقيقته أو على المستوى الفردي والشخصي وحدة الأنا والشعور وثباته أو على مستوى المجتمع الأنا الجمعي أو على مستوى الإيديولوجيات المقوّم الذي تثق فيه الإيديولوجيا وتؤسس عليه هويتها مثل اللغة والعرق والدين والأرض وغيرها.

ج- تعريف العولمة:
1- الاشتقاق اللغوي:   
- لا نجد تعريفا دقيقا ونهائيا في قواميس ومعاجم اللغة العربية لكلمة عولمة، بل ارتبط اللفظ بالفعل وليس بمصدر اسمي، "العولمة لغة لفظ مشتق من الفعل عولم على وزن فوعل، أو أنّه مشتق من الصيغة الصرفية فوعلة، التي تدل على تحول الشيء إلى صورة أخرى، كما أنّه مصطلح يصعب فيه الارتكان إلى المدلولات اللغوية، فهو مفهوم شمولي يذهب عميقا في الاتجاهات المختلفة لتوصيف حركة التغير المتواصلة".
- في الكثير من الكتابات نجد لفظ عولمة يشير إلى لفظ Globalization المشتق من لفظ "كوكب" في اللغة الإنجليزية لذلك تُترجم كلمة عولمة إلى كوكبة أو كوكبية أو كونية. ويشير لفظ عولمة إلى Mondialisation من لفظ Monde بالفرنسية أي العالم. وتمثل العولمة أو الكوكبة أو الكونية أبرز تحول تأثر به عصرنا وتميّز. 
- يتضح مما سبق أنّ لفظ عولمة في اللغة العربية جاء من فعل عولم على وزن فوعل بمعنى حوّل الشيء إلى صورة غير الصورة التي كان عليها، وقد يكون لفظ عولمة مشتقا من الصيغة الصرفية فوعلة، كما يشير اللفظ إلى اللفظ اللاتيني في الإنجليزية بمعنى الكوكبة وفي الفرنسية بمعنى العالمية من العالم.
1- المعنى الاصطلاحي:
- لا يوجد تعريف واحد متفق عليه من قبل المفكرين والباحثين والأكاديميين للعولمة كحركة إنسانية وكظاهرة تمثل أبرز وأهم تحول تميّز به عصرنا وأكبر تحدّ يواجه الأمم والشعوب والدول في العالم الضعيف والمتخلف. وارتبط مفهوم العولمة في الفكر عامة وفي الحياة المعاصرة برمتها بالتطور العلمي والتكنولوجي الهائل الذي ميّز العصرين الحديث والراهن.
- تعددت واختلفت تعاريف العولمة بتعدد واختلاف الاتجاهات الفكرية والإيديولوجية والسياسية والفلسفية وتباينت بحسب مواقف هذه الاتجاهات وبحسب مواقف المثقفين منها، بين مواقف مؤيدة بإطلاق أو جزئيا وأخرى مناهضة بإطلاق أو جزئيا، لكن المتفق عليه هو أنّ العولمة حركة ومسعى إنساني عام يستهدف "تعميم نمط حضاري وإيديولوجي وثقافي واقتصادي وسياسي واحد على كافة شعوب العالم".
- ويُعرّفها آخر "العولمة جعل الشيء أيّا كان هذا الشيء عالميا، أو إكسابه صفة العالمية، وهو المعنى الذي أجازه مجمع اللغة العربية بالقاهرة". 
- ويُعرّفها المفكر الفرنسي المسلم "روجيه غارودي" بما يلي: "هي نظام يُمكّن الأقوياء من فرض الديكتاتوريات اللإنسانية التي تسمح بافتراس المستضعفين بذريعة التبادل الحر وحرية السوق". 
- لقد كرّست العولمة التصنيف الثنائي للبلدان والشعوب في العالم المعروف بالمركز والأطراف، المركز هو قائد العولمة ومديرها والفعّال في تحريكها وتوجيهها، والأطراف وهي الشعوب والبلدان المنفعلة والمتأثرة بالعولمة سلبا أو إيجابا، وسيطرت العولمة بزيادة درجة التواصل والارتباط المتبادل بين الأفراد والشعوب والأمم نتيجة تطور وسائل التواصل الاجتماعية والشبكة العنكبوتية والمعلوماتية، ومن خلال تطور نشاطات انتقال السلع ورؤوس الأموال وتقنيات الإنتاج وانتقال السلع والأشخاص والمعلومات.
- ويُعرّف العولمة "ريمون طحان" في كتابه "اللغة العربية وتحديات العصر" بما يلي: "اصطباغ عالم الأرض بصبغة واحدة شاملة لجميع أقوامها وكل من يعيش فيها وتوحيد أنشطتها الاقتصادية والاجتماعية الفكرية من غير اعتبار لاختلاف الأديان و الثقافات والجنسيات والأعراف".  
- بما أنّ العولمة اتجاه شامل يعمل على فرض نمط حياة واحد وأوحد على كافة شعوب العالم من غير استثناء وفي هذا نفي لسنتي الخصوصية والاختلاف في الكون لذا يُعرّفها أحد الباحثين: "نظام عالمي جديد يقوم على العقل الإلكتروني والثورة المعلوماتية، على المعلومات والإبداع التقني غير المحدود دون اعتبار للأنظمة والحضارات والثقافات والقيّم والحدود الجغرافية والسياسية القائمة في العالم". 
- في سياق التعدد  والتباين في تحديد مفهوم العولمة وبيان قيمتها نظرا لطبيعتها المركبة، وبعدما وقفنا على بعض المفاهيم والمواقف تصفها وتحدد طبيعتها، يمكننا استنتاج ما يلي: "بأنّها توجه ثقافي وسياسي واقتصادي واجتماعي وإعلامي وعسكري، يستمد مفاهيمه ومبادئه ومقولاته من الفكر الليبرالي الغربي ومن الثقافة الحديثة والمعاصرة السائدة في الغرب الأوربي وفي الولايات المتحدة الأمريكية، التوجه القائم على الديمقراطية واقتصاد السوق، والمتضمن جملة الآليات والإجراءات والتدابير والنظم العلمية والتكنولوجية والمعلوماتية والإعلامية وغيرها، وسائر أشكال المعاملات والعلاقات وأنماط السلوك والعيش والحياة عامة، كل هذا يشكل منظومة واحدة تتجاوز حدود الجهوية الضيقة ، وحدود الدولة الوطنية والقومية، والحدود الإقليمية وسائر الحدود الجغرافية والسياسية المتعارف عليها ...فهي تبحث عن الاتحاد وتتبنى التشابه والتماثل بين البشر لتعميم النموذج أو النمط الأمريكي الواحد في الحياة وتمثله المنظومة الواحدة، من منطلق سياسة عالمية تربط كل بلدان العالم في كوكبة واحدة خاضعة لنظام واحد يسيطر عليه المركز وتقوده الولايات المتحدة الأمريكية".
 
 

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية