للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي الحادي عشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

أمة الضاد أم أمة الزاد؟

د. محمد الخالدي

 لا بقَوْمي شَرُفْتُ بل شَرُفُوا بي... وَبنَفْسِي فَخَرْتُ لا بجُدودِي


وبهمْ فَخْرُ كلّ مَنْ نَطَقَ الضّادَ... وَعَوْذُ الجاني وَغَوْثُ الطّريدِ

( الطيب المتنبي)

لم تسمَّ الأمة العربية بأمة الضاد اعتباطا. وما سميت بذلك إلا لأن ذلك هو أهم ما يميزها. فاللغة هي عنوان العرب ورايتهم التي تخبو دونها كل البيارق والأعلام. وعلاقة العرب بلغتهم كما وصفها المفكر العربي محمد الجابري تختلف عن علاقة أي أمة أخرى بلغتها. فقد أكد الجابري انفراد العربي بوعي مشروطيته اللغوية، فهو يحب لغته إلى درجة التقديس، وهو يعتبر أن السلطة التي لها عليه تعبيرا، ليس فقط عن قوتها، بل عن قوته هو أيضا.

وقد ذكر الأصمعي أن ليس للروم ضاد. كذلك فقد استصوب المرتضى الزبيدي انفراد العربية بالضاد، وقال «هو للعرب خاصة.» وقال ابن جني «اللسان الضادي» أي العربي، تدليلا على أن حرف الضاد خاص بلغة العرب. وهو حرف يصعب نطقه على الناس وغير العرب خاصة. قال ابن الجزري، «وليس من الحروف ما يعسر على اللسان مثله،» وحذر من قلب الضاد إلى ظاء.

وبغض النظر عما يقال هنا وهناك من عدم انفرادية اللغة العربية بحرف الضاد عن غيرها من اللغات، فإن حرف الضاد يبقى هو عنوان اللغة العربية وتاج حروفها المتأصلة في لسان أهلها. وعلى الأقل فهي تتميز بأنها لغة الضاد من بين كل اللغات السامية، منذ القرن الرابع الميلادي على أقل تقدير.

واللغة برموزها ومعانيها أبعد ما تكون عن المادية، فهي تصوغ المعاني في قوالب لفظية لتعطيها قيمتها المجردة. وبما أن العرب كانوا سلاطين اللغة وروادها، لذلك كانوا أقرب إلى السماء بروحانيتها وقيمها العالية منها إلى الأرض الملتصقة بالمادة. وقد أشار الجابري إلى أن الموروث الأخلاقي الأهم الذي بقي من المنظومة الأخلاقية لعرب ما قبل الإسلام واستمر كمكوّن أساسي من مكونات العقل العربي هو «المروءة.» ولذلك فإن اختيار العرب لحمل رسالة الإسلام السماوية ما كان بسبب تدني المنظومة الأخلاقية في المجتمع العربي آنذاك - كما يدعي بذلك البعض - بل لأنهم كانوا أقرب إلى معاني الإسلام وقيمه العليا، وأقدر على حمل الرسالة من خلال لغتهم إلى الأمم الأخرى.

ورغم أن اللبس بين الضاد والظاء ليس جديدا، حيث بدأ في عصر الفتوحات عند دخول غير العرب إلى الإسلام، إلا أن علماء النحو والصرف قد ساهموا في تبيان وإزالة هذا اللبس بوضع القواعد التي تحكم هذا الأمر. ومنها ما ذكره الحريري عن الظائية.

ولكن يا ترى هل مازال العرب هم أمة الضاد؟ أم أصبحنا حتى هذا الحرف لا نجيد نطقه، بل لا نحسن حتى كتابته.

تذهب إلى المسجد، فيصعقك الإمام في الصلاة حينما لا يفرق في قراءته بين الضاد والظاء. ويخرز ناظريك كل يوم نص يُستبدل فيه الضاد بالظاء. فصديقك يكتب لك في الواتس أب ملحا عليك بعدم التأخر و«الحظور» للغبقة مبكرا. وصاحبك الآخر يرسل لك خبرا عن العثور على آثار قرب حائل تعود «لحظارات» عربية قديمة. والثالث يكتب لك بأن هذا الأمر من وجهة «نضره» غير صحيح، وأنه «سيضل» متمسكا برأيه!

وتمشي في السوق أو تقود سيارتك في الشارع لتفسد متعتك الكثير من الأغلاط اللغوية المتعمدة وغير المتعمدة في لِوح الإعلانات واليافطات. فكثير من الإعلانات مليئة بالأخطاء اللغوية، أو أنها ترى في استخدام اللهجة العامية وسيلة أفضل للوصول إلى عقل وقلب الزبون. ونحن لا توجد لدينا هيئة للأمر بالالتزام بضوابط اللغة والنهي عن انتهاك حقوقها وقواعدها، لأننا نجهل أن صلاح أمرنا هو بصلاح لغتنا.

فاليوم لو جاءك أحد غير الناطقين بالعربية من الذين لا يستطيعون نطق حرف الضاد وقال لك: «أنتم أمة الزاد»، يقصد أمة الضاد، فما أخطأ كثيرا. نحن حقا تحولنا إلى أمة المفاطيح والبلع والولائم، فحسب. إن الأمم تتكلم كما تفكر، وتفكر كما تتكلم. وكل أمة مشغولة بما هو مالئ لعقلها ووجدانها.

فإذا انفرط عقد سلطة اللغة علينا نتيجة ضعفنا، فذلك لأنه كما قال المفكر جورج طرابيشي، «فتخلف العرب هو الذي يتحمل تبعية تخلف اللغة، وليس العكس.» وقبله قال ابن خلدون «إن غَلَبة اللغة بغَلَبة أهلها، وإن منزلتها بين اللغات صورة لمنزلة دولتها بين الأمم.»
 

اليوم

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية