للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي العاشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

تدريس اللغة العربية في البلدان غير الناطقة بها

أ. د. عبد الجليل أبوبكرغزالة

 

عتبات الموضوع 
   لَقَدْ بدأ الاهتمامُ بتدريس اللغة العربية في البلدان الغربية زمن ازدهار الحضارة الإسلامية في الأندلس ، حيث كانت فرنسا بمعية مجموعة من الدول الأوروبية الأخرى تسهر آنذاك على تعيين المعلمين المتميزين لتدريس علوم اللغة العربية وفنونها المشهورة ، كالفلسفة ، والفيزياء ، والرياضيات ، والموسيقى وغيرها ، وهو ما جعل عدة مدارس مشهورة  كمدرسة قرطبة تستقبل أعدادا هائلة من الطلبة القادمين من الغرب والشرق .
   لِذَلِكَ ، فإنَّ سكان عدة بقاع وأصقاع غربية قد أقبلوا على تعلم اللغة العربية ومعرفة خصائصها وأسرارها ، كما تم إنشاء جامعات ومعاهد وأقسام ومنظمات ومجالس متخصصة ، وتكوين أساتذة وباحثين ، فارتفع عدد الطلبة والمتخصصين والمهتمين بهذا اللسان القرآني المعجز  .
تدريس اللغة العربية في فرنسا 
    شُرِعَ في تدريس اللغة العربية  بفرنسا إبان ق16 م ؛ على عهد الملك ( فرنسوا الأول ) ، ثم تابع بعض المستشرقين هذا العمل مثل ( شارل بلا ) وغيره ، حيث اهتموا بكتاب كليلة ودمنة ، وكتب الجاحظ ورسائله ، وحكايات ألف ليلة وليلة وغيرها ...
    اِرْتَبَطَ استقرار المسلمين في الغرب ، وولادة الجيل الثاني والثالث من أبنائهم ، ودخول الآلاف من الغربيين في الإسلام بتزايد عدد مدارس تعليم اللغة العربية ، فبدأ العالم الغربي يهتم بالحضارة العربية الإسلامية التي أصبحت أحد مكونات شخصية الآلاف من مواطنيه ...
   لِذَلِكَ ، فإن وزارة التربية والتعليم في فرنسا قد قررت في هذا الصدد يوم الثلاثاء   31مايو إدماج مادة اللغة العربية في مناهجها انطلاقا من العام المقبل 2017   م ، وهو ما سيمكن التلاميذ الفرنسيين من اختيارها كلغة أجنبية ، وقد ذكرت وزيرة التعليم أن تدريس اللغة العربية سيدمجها داخل المنظومة التربوية والتعليمية الفرنسية ، كما سيتمّ تقويم عمل الأساتذة مثل زملائهم المتخصصين في اللغات الأخرى ، وسيشاركون في دورات تدريبية ، يطبق فيها برنامج تربوي محدد ، يسهر عليه  متخصّصون محنكون .
    يَقُومُ هذا البرنامج التربوي الفرنسي بتوفير كتب منهجية متخصصة ، وأجهزة رقمية علمية تساعد التلاميذ على تعلم اللغة العربية ، علاوة على تكوين المعلمين حسب الطرائق التربوية الأوروبية واستراتيجيات الدريس الحديثة .
    يُشَكِّلُ هذ البرنامج خطوة فعالة جداً ، لأنها تمنح اللغة العربية مكانتها الحقيقية في فرنسا بعد إهمال طال أمده ، كما أنها تلبي رغبة أبناء الجاليات العربية وأبناء الفرنسيين في تعلم اللغة العربية . أكد ذلك تقرير المعهد الفرنسي للاندماج عام 2015 م في هذا الصدد أن نحو  57ألف تلميذ يدرسون اللغة العربية على يد 680 معلما ينتمون إلى الجزائر والمغرب وتونس ، وذلك ضمن برنامج تعلم لغات البلد _ الأصل لعام 2012 م .
    يَهْتَمُّ معهد الدراسات الشرقية والعربية الموجود بأكبر الجامعات الفرنسية بتدريس اللغة العربية ، إذ نجد ما يقارب مائتي لغة شرقية . تنتشر أقسام اللغة العربية في بعض الجامعات والكليات العريقة ، ككليات العلوم الإنسانية التابعة لجامعة ( باريس السربون ) ، و جامعات ( باريس الثامنة ، وليل ، وأكس أون بروفانس ) ، ومعهد العالم العربي ، والمدارس العربية التي أسستها بعض الدول العربية ، وألحقتها بسفارات بلدانها الموجودة فوق التراب الفرنسي ، كما تعددت المعاهد الخاصة والجمعيات والمساجد ، وهو ما يفسر شدة الإقبال على هذه اللغة من مختلف الأجيال العربية والمسلمة التي ولدت في البلدان الغربية ، بل إن الأمر قد تعدى ذلك إلى الغربيين أنفسهم الذين أقبلوا على تعلم اللغة العربية التي أصبحت اللغة الثانية المتحدث بها في باريس وضواحيها. 
    تُشَكِّلُ اللغة العربية ظاهرة فريدة في المجتمعات الغربية ، خاصة على مستوى  وسائل الإعلام ، ومراكز البحوث والدراسات ، والجامعات ، إذ تمَّ إنجاز أعمال جامعية متنوعة في هذا الميدان ، مثلما نجد في قسم علوم التربية التابع لجامعة ( باريس الثامنة ) .
     يَذْكُرُ ( Hitti,P.K ) في كتابه القيم ( تاريخ العرب ) ، الصادر في لندن عام  1914  م أن اللغة العربية تعد أول تسع لغات تتفرد بطاقتها البيانية ، وقدرتها على اختراق مستويات الفهم والإدراك ، ونفادها إلى المشاعر والأحاسيس ، تاركة أعمق الأثر فيها ، وفي هذا الصدد فليس لهذه اللغة إلا أن تقارن بالموسيقى ... 
   لَقَدْ دفع هذا الاهتمام الغربي المتزايد باللغة العربية المخرج السينمائي الفرنسي ( ميشال أوسلو ) إلى استغلال مساحة كبيرة في فيلمه ( أزور وأسمر ) للحديث باللغة العربية ، ولم يعرض أية ترجمة للحديث العربي ، وكأنه يدعو الفرنسيين بطريقة غير مباشرة إلى فهم العربية وتعلمها لمعرفة حضارة وإسهامات أهلها في إثراء الحضارة الإنسانية... يظهر الاهتمام نفسه في الكتب المدرسية والعلمية المتنوعة التي وضعها مستشرقون غربيون عن اللغة العربية منذ القدم . 
تدريس اللغة العربية في ألمانيا 
    يُؤَكِّدُ البروفيسور ( توماس شتروهوته ) أن تعميم تدريس اللغة العربية بالنسبة لجميع تلاميذ المدارس الألمانية قد أصبح إلزاميا من السنة الأولى حتى الثانوية العامة ، وأوضح من خلال مقال نشره بصحيفة ( دي تسايت ) الأسبوعية أنه يدعو المجتمع المحلي للاعتراف بالحقوق المتساوية بين العربية والألمانية باعتبارهما لغتين إلزاميتين للتدريس بالمدارس الألمانية . فالتلاميذ القادمون من الشرق الأوسط يتعلمون اللغة الألمانية ، ويتم تدريس العربية لكل التلاميذ الألمان  . 
   يَرَى هذا الباحث الأكاديمي البارز في الإعلاميات أن تعليم اللغة العربية سيساعد التلاميذ اللاجئين بالإضافة إلى تخصصهم الرئيسي في الألمانية على اندماجهم في النظام التعليمي الألماني ، كما أنه سيمنح التلاميذ الألمان مدخلا مهما لمعرفة الثقافة العربية ، ويحقق الاعتراف بألمانيا دولة للهجرة ومجتمعا متعدد اللغات. 
   يَتِمُّ بلوغ هذا الهدف عن طريق المساواة بين اللغة العربية واللغة الألمانية ، وهو ما سيجعل التلاميذ الألمان يحيطون علما بالتغيرات والتطورات ، والثقافة الرائجة في العالم العربي .
    يَذْكُرُ ( شتروهوته ) في نهاية مقاله أنَّ الألمان سيقدمون أنفسهم من خلال هذه الخطوة شريكا اقتصاديا وثقافيا وسياسيا يكون مؤهلا لمواكبة التحولات المستقبلية في البلدان العربية.
   أَصَرَّ ( كريستيان فيسينهوتر) ؛ نائب رئيس غرفة التجارة والصناعة الألمانية 
عام 2013 م على ضرورة الاعتراف بأن العربية تمثل لغة عالمية ، نظرا لما تتطلبه دولة ألمانيا من مواكبة لواقع تنامي علاقاتها الاقتصادية مع العالم العربي ، والاهتمام بتعليم العربية في مدارسها .
     يُوجَدُ في ألمانيا معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية ، التابع لجامعة فرانكفورت الذي سعت من خلاله العالمة زيجريد هونكه للتعريف بالحضارة العربية والإسلامية في مؤلفها المشهور (شمس الله تسطع على الغرب) ، كما قامت المستشرقة الكبيرة أنيماري شميل بتجسيد التقارب القائم بين الثقافتين الإسلامية والغربية.
    لاَ تَقْتَصِرُ المناهج الموجودة في المؤسسات التربوية الألمانية على تدريس اللغة العربية وقواعدها ، لكنها تعالج أيضا أبواب الحضارة العربية والإسلامية لتقديم صورة متكاملة للطلاب عن الثقافة في العالم العربي ، سواء بعرض دروس تتعلّق بتاريخ المنطقة العربية وأعلامها في الثقافة والفكر والأدب ، أو إظهار تفاعل العرب مع باقي الحضارات العالمية ، كاستعراض نصوص عن تجربة العرب في الأندلس ، أو قصة صلاح الدين الأيوبي ، أو مواضيع أخرى تتعلق بالمهاجرين العرب الذين يعيشون حاليا في المجتمعات الأوروبية . إنها مناهج تربوية فعالة تقدم للطلبة صورة شاملة عن العالم العربي وثقافته ، متجاوزة حدود تعلم اللغة وقواعدها ...
   لاَ يَتَوَقَّفُ أستاذ اللغة العربية في ألمانيا عند تدريس القواعد فقط ، وإنما يعالج أيضا مواضيع أخرى تتعلق بتاريخ الحضارة العربية والإسلامية ، حيث يعرض المعلومات من منظور علماني بعيد عن التعصّب ، أو دعوة للتديّن ، أو الحض على تمييز الديانة الإسلامية عن الديانات الأخرى ، وهو ما يجعل دارس العربية يتعلم أن جذوره تنتمي حضارة وقيم ، وإنجازات لا يستهان بها . وهذا ما يساعد أبناء المهاجرين على تشكيل هويتهم المزدوجة ، والفخر بثرائها .
   لَقَدْ تمَّ في هذا الصدد عرض إحصائية رسمية عام 2010 م قدرت عدد المتحدثين بالعربية في ألمانيا من العرب والألمان بأكثر من مليون شخص . 
تدريس اللغة العربية في بولندا 
     تُوجَدُ في بولندا ثلاث جامعات كبرى متخصصة في الدراسات العربية و الإسلامية ، كجامعة وارسو ، وجامعة كراكوف التي تضم معهد للدراسات الشرقية ، وجامعة آدم ميتسكيفيتش الموجودة في مدينة بوزان ، وتضم مركزا للبحث العلمي في شؤون اللغة العربية .
  تَذْكُرُ الدكتورة ماجدالينا كوباريك أستاذة الأدب العربي في جامعة تورون أن الهدف الأساسي للقسم هو تأهيل المتخصصين في مجال علم الأدب و اللسانيات نظرا للاهتمام المتزايد بقضايا فقه اللغة العربية philology  ، وقضايا ثقافة شمال أفريقيا ، والشرق الأوسط , وهذا ما جعلهم يطلعون على موضوعات وسمات الثقافة والحضارة ، والتاريخ ، والفلسفة ، والسياسة ، والدين الإسلامي .
     تُضِيفُ الدكتورة ماجدالينا كوباريك أن القسم يقوم بالبحوث العلمية في مجال الدراسات العربية و الاسلامية ، وأهم الاتجاهات الدراسية هي : تاريخ الأدب العربي ، الأدب العربي المعاصر ، الثقافة و الحضارة في العالم العربي والإسلامي ، اللسانيات ، استراتيجيات تدريس اللغات ، تاريخ الإسلام البولندي الأوروبي والعالمي , الإسلام والثقافة ، والدين ، والسياسة ، تاريخ الفكر الاجتماعي والسياسي الاسلامي ، المسيحية في الشرق ...
     يُنَظِّمُ قسم اللغة و الثقافة العربية مؤتمرات دولية تعالج محاورها قضايا الحوار بين الدين المسيحي والدين الإسلامي . تمَّ عقد آخر دورة في 28 أكتوبر ، إذ تمَّ إصدار بيان عن علاقة الكنيسة المسيحية بالديانات الأخرى  . إن الهدف من وراء عقد هذه المؤتمرات هو نشر فكرة الحوار بين الأديان ، وعرض نشأته بين المسيحية والاسلام ، وتحليل أسسه البناءة بين الديانتين ، وشرح المخاطر والتحديات التي تعترضه هذا الحوار في القرن الواحد والعشرين.
    يَقُومُ القسم العربي في جامعة تورون بتنظيم مؤتمرات دولية تتعلق مواضيعها بمسائل الأدب . يتم عقد هذه المؤتمرات سنويا تحت عنوان (( الشرق في الأدب – الأدب في الشرق )) . تطرح المحاور موضوعات متنوعة تتراوح بين مسائل نظرية متعلقة بالترجمة الأدبية ، وتقديم البحوث في مجال الدراسات العربية ، والتحاليل الأدبية وتأثيرها على فهم الأدب الشرقي في بولندا وأوروبا والعالم . ينظم قسم اللغة العربية أيضا ندوات تتعلق مواضيعها بتعلم اللغة العربية من الناحيتين النظرية والعملية  ، والهدف هو تبادل الخبرات ونتائج البحوث العلمية  المؤثرة في تطور الاتجاهات في عدة مجالات ، كاستراتيجيات تدريس اللغات المعاصرة بالنسبة للمستعربين و مدرسي اللغة العربية الذين ينتمون إلى مختلف المراكز العلمية البولندية .
    لَقَدْ شرع قسم اللغة العربية بجامعة تورون منذ عام 2013  في تنظيم لقاءات تحت عنوان ( الثقافة العربية و الإسلامية ) ، ودورات خاصة في اللغة و الثقافة العربية ، ودراسات متخصصة في اللسانيات العربية التطبيقية  بالمطابقة مع اللغة الفرنسية ، وهو تخصص لا يوجد في المراكز التعليمية البولندية الأخرى ، لأنه يمثل استراتيجية تعليمية  رائدة في بولندا ، تسمح بالحصول على درجة البكالوريوس من خلال معرفة اللغة العربية الفصحى واللغة الفرنسية . 
    تَمَّ تطوير البرنامج الدراسي مع مراعاة تنقل الطلاب المقبل ضمن إطار التبادل الدولي بين الجامعات الشريكة .
    يُعَدُّ هذا القسم أحد المراكز الحديثة العهد للدراسات العربية و الاسلامية في بولندا ، لكن نشاطه في مجال التدريس والعلم يجعله يحتل مكانا بارزا على الساحة العلمية البولندية ، ويساهم في بحوث ا المراكز الأكاديمية الأخرى.
   

     يَهْتَمُّ القسم باللسانيات العربية ، كتابة ، ونطقا، ونحوا ، والأدب العربي ، نثرا، وشعرا، وقضايا التاريخ العربي والإسلامي ، كما تُدرَّسُ بعض اللهجات العربية المهمة ، كالمصرية ، والشامية ، والمغربية  في الصفوف الدراسية.
    يَتِمُّ كل عام تسجيل عدد كبير من الطلاب الراغبين في تعلم اللغة العربية (حوالي 250 طالبا ) ، وكلهم من البولنديين . يحصل الطالب بعد ثلاث سنوات من التعليم الجامعي على شهادة الليسانس (البكالوريوس) ، وبعد ذلك تأتي مرحلة الماجستير ومدتها سنتان ، ثم الدكتوراه ومدتها أربع سنوات. يبلغ عدد الطلاب المتخرجين في قسم اللغة العربية ، والحاملين لدرجة الماجستير15 طالبا سنويا . وبعضهم يواصل الدراسة لنيل درجة الدكتوراه .
    يَبْدَأُ تدريس اللغة العربية بتعلم الحروف وطريقة كتابتها ونطقها ، وغالبا ما تكون البداية صعبة فالطلاب المبتدئون يجدون صعوبات كبيرة في تعلم نطق بعض الحروف العربية التي لا يوجد لها مقابل في اللغة البولندية .  يعتمد الأساتذة على عدة كتب لتعليم اللغة العربية ، ترد من مصادر مختلفة منها ما هو بولندي ، وأميركي ، وعربي . وهي كتب ترتكز على استراتيجيات حديثة مزودة بأقراص مدمجة وبرامج كمبيوتر رائدة .
     يَتَطَلَّبُ النهوض باستراتيجيات تدريس العربية الاعتماد على منهج دقيق بالنسبة للمراحل الدراسية الأولى ، ويشترط فيه أن يكون مجانسا لمناهج معاهد تعليم اللغة العربية للأجانب في البلاد العربية ، كما يحتاج الطلبة في هذا المستوى إلى المزيد من الجهد لتطوير طاقاتهم اللغوية وتوظيفها في ميدان المحادثة ، وهو من أصعب الأمور التي يواجها دارسو اللغة العربية من الأجانب.
    إِنَّ نجاح مستقبل تعليم اللغة العربية يكمن في تطبيق استراتيجية التعلم الإلكتروني لسد حاجات التعليم ، وخلق تطور مهم ، وتقديم نتائج جيدة تساهم في نشر الثقافة العربية ، وجعلها مألوفة بالنسبة للثقافات الأخرى ، لكن نجاح هذا التعليم يرتبط بالدعم والتوجيه البنّاء من طرف الجامعات العربية ، والمؤسسات المعنية بنشر الثقافة العربية ، ومنها السفارات العربية في بولندا .
تدريس اللغة العربية في روسيا
       تُعَدُّ الأكاديمية السعودية بموسكو مؤسسة تربوية _ تعليمية ، ومنبرا ثقافيا مهما يساهم في تحسين العلاقات الثقافية السعودية الروسية . إنها نتيجة لسياسة نشر التعليم وتوفيره لكل الراغبين من أبناء الجاليات العربية والإسلامية وغير الإسلامية .
    أنشئت هذه الأكاديمية بتاريخ 04 / 03 / 1413هـ في  بهدف تعليم أبناء السعوديين العاملين في سفارة المملكة العربية السعودية وملحقاتها ، وكذلك أبناء الأشقاء العرب والمسلمين ، وأبناء الجاليات المقيمة في دولة روسيا الاتحادية ، وخدمة الإسلام  والمسلمين في روسيا .
   شَهِدَتْ هذه المؤسسة التربوية إقبالا كبيرا من أبناء المسلمين في مختلف مراحل التعليم العام للبنين والبنات . استمر نمو برامجها حتى أصبحت في عامها الرابع عشر تضم في قسمها الصباحي ما يزيد على 400 طالب وطالبة ينتمون إلى ما يزيد على ثلاثين جنسية عربية وإسلامية ، موزعين على مراحل التعليم العام التمهيدية ، والابتدائية ، والمتوسطة ، والثانوية . نجد 22 فصلا دراسيا يعمل بها ما يزيد عن 41 معلما ومعلمة في مختلف التخصصات العلمية والتربوية ، معظمهم من حملة الماجستير والدكتوراه ، ومنهم من قام بتغذية مكتبة الأكاديمية بتأليفه وإبداعه الفكري الذي يجسد مستوى عال من الكفاءة الوظيفية في مجال التربية والتعليم .
   تَضُمُّ الأكاديمية عدة مراكز متخصصة مجهزة بأحدث الوسائل والتقنيات والأجهزة الحديثة ، كالحاسب الآلي ، وشبكة الإنترنت ، ومعامل متخصصة لتعليم اللغات والقرآن الكريم ، ووحدة صحية متخصصة للإشراف على صحة الطلبة ومتابعة حالاتهم .
   تُغَطِّي خدمات الأكاديمية عدة جمهوريات في روسيا الاتحادية ، والجمهوريات الإسلامية المستقلة ، وعددا من الدول المجاورة من خلال الإشراف على تعليم أبناء الدبلوماسيين السعوديين ، وتزويد المراكز الإسلامية والعلمية بالبرامج والخطط ، والأدوات والوسائل التعليمية .
   لَمْ يعد دور هذه الأكاديمية يقتصر على إظهار الصورة الناصعة للإسلام ، و خدمة المجتمع العربي والإسلامي ، وتوطيد العلاقات الثقافية العربية الروسية ، بل إنها سعت إلى خلق التقارب الثقافي ، والتعايش بين جنسيات متعددة ، وأسهمت في بناء جسر التفاهم بين الشعوب العربية وروسيا .    
  تُمَارِسُ الأكاديمية بأنشطة تربوية _ تعليمية ، وثقافية بسنِّها لخطة منهجية موسعة ، وخلق جسور للتواصل مع عدة مؤسسات ثقافية وتربوية وحكومية في روسيا ، وهو ما يساهم في تنمية  العلاقات السعودية الروسية الثقافية .
تدريس اللغة العربية في أمريكا 
    شَهِدَتْ أمريكا في السنوات الأخيرة اهتماما متزايدا باللغة العربية والحضارة الإسلامية ، إذ تعددت المقالات والتغطيات الإعلامية التي تتناول لغة وشؤون العرب المقيمين في الولايات المتحدة ، كما تم تسليط الضوء على السمات اللغوية الخاصة بهذه الجالية ، وهو ما خلق العديد من فرص العمل لأبنائها في أمريكا . أصبح الإعلان وظيفة رهينا بإتقان العربية للعمل في مؤسسات تعليمية ، أو أمنية ، أو عسكرية ، أو استخباراتية ، أو إعلامية ، كما تعددت مواقع التوظيف الإلكترونية والجرائد المتخصصة في هذا المجال . 
    لَقَدْ تزايد إقبال الأميركيين على تعلم اللغة والثقافة العربية ، إذ تضاعف عدد طلاب اللغة العربية في جامعة ( جورج واشنطن ) في السنوات الأخيرة ، حيث  وصل عددهم ما يقارب 300 طالب ، ونجد الأمر نفسه بالنسبة لأقسام تدريس اللغة العربية والعلوم الإسلامية في الجامعات الأميركية الأخرى ، علاوة على أن المؤسسات التعليمية تشهد ظاهرة جديدة تعبر عن رغبة المجتمع الأمريكي في سبر أغوار الثقافة العربية ، وهو ما جعل بعض المؤسسات الحكومية والخاصة ترصد ميزانيات كبيرة لتنظيم البرامج ، وتقديم المنح السنوية للطلبة المتميزين من أجل دراسة اللغة العربية باستعمال برنامج ( فلاغ شب Flagship ) و ( كبا  (  ( CAPA ) وغيرهما من البرامج الأخرى المماثلة .
 دوافع تدريس اللغة العربية في البلدان الغربية  
    يَرَى بعض الباحثين المتخصصين في هذا المجال أن دوافع تدريس اللغة العربية في البلدان الغربية  تقوم على عدة أسباب وجيهة :
     _   1     تزايد عدد أفراد الجالية العربية والإسلامية في البلدان الغربية . إن العرب المسلمين وغيرهم قد صاروا جزء من المجتمعات الغربية غير أن اندماجهم تعترضه عدة عراقيل تتمثل في المشاكل المتنوعة التي تعيشها هذه الجالية ، والصعوبات اللغوية يتعرض لها أطفالها في حياتهم المدرسية ، وهو ما جعلهم ممزقين بين مشكلتين:
أ  _   صعوبة الاندماج في المجتمع الغربي .
ب _   تعذر التواصل مع حضارتهم وهويتهم العربية الإسلامية . 
       2  _    اهتمام أبناء الجيل الثاني الذين ولودوا وتربوا في البلدان الغربية  بتعلم اللغة العربية .
       3 _ تطور عمل المدارس والمعاهد والمساجد التي أصبح يتوافد عليها المئات من الآباء و الأمهات والأبناء لمتابعة عطاء المدرسة العربية.
      4 _ البحث عن الجذور والهوية : بحث الجاليات عن هويتها التي كانت سابقا قد ذابت داخل الثقافة الغربية حتى إن كثيرا من المهاجرين قد غير اسمه وانقطع تماما عن أصوله ، وكان لهذا سلبيات كثيرة نرى نتائجها في ضواحي المدن الكبرى .  
    5  _   التبادل التجاري : يشجع التعامل المتزايد الدول العربية على تعلم العربية ، لأنها صارت ضرورية للتواصل والتعامل المباشر مع المجتمعات العربية .
      _ 6السياحة والسفر : أصبح هذا المجال يجلب كل سنة آلاف السياح ، كما أن احتكاكهم بالعالم العربي جعلهم يحبون الثقافة العربية ، ويعجب بعضهم بالخط ، والموسيقى ، والأزياء ، والمأكولات ، وحسن الضيافة العربية .... 
   7 _ الزواج المختلط : كان هذا النوع من الزواج سببا في تعلم اللغة العربية. فالمرأة الغربية التي تزوجت رجلا عربيا ، لكي تفهمه لا بد لها أن تفهم ثقافته وحضارته. والغربي الذي تزوج عربية لا بد له أن يتواصل مع ثقافة زوجته التي مازالت تحتفظ برواسبها العربية . لقد خلق الزواج المختلط علاقات متنوعة يسودها التعايش والتسامح بين اللغات والثقافات والأديان .
  _  8 وسائل الإعلام : أقبل المراسلون للقنوات الفضائية الغربية على تعلم العربية لكي يتفاعلوا مع الأحداث مباشرة دون الاستعانة بالمترجمين .  
  9 _  تغير العوامل الخارجية : إن بروز أحداث  11سبتمبر، وتطور قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، والحرب الأمريكية على العراق ، ووجود عدة مناطق للتوتر في العالم العربي  قد ساهمت في إقبال كثير من الغربيين على معرفة اللغة العربية ، والحضارة الإسلامية .
استراتيجيات تدريس اللغة العربية في البلدان الغربية 
    نَجِدُ عدة تجارب مهمة في مجال تدريس العربية ، لكنها تحتاج إلى التوجيه ، والتطعيم  باستراتيجيات تحترم نفسية التلميذ ، والفروق الفردية ، وطبيعة الفضاء الغربي الذي تدرس فيه العربية . ولا بد من التنسيق والتفاعل بين المدارس وأصحاب المناهج لتبادل الآراء المتعلقة باستراتيجيات التدريس ، وتدليل الصعوبات ، وتشجيع عملية التواصل بين تلاميذ هذه المدارس حتى تتوسع دائرة المعارف والعلاقات .
  تَتَمَيَّزُ استراتيجيات تدريس اللغة العربية في البلدان الغربية عن استراتيجيات تدريسها في الدول العربية . لذلك ، فإن المدرس القادم من هذه البلدان لتعليم اللغة العربية لأبناء الجاليات العربية يصبح مضطرا للاندماج في المجتمع الغربي ليتمكن من طريقة التعامل مع الطلاب ، ومعرفة نوع وطبيعة المادة التي يقدمها لهم  ، وكيفية تقديمها . إنه يحتاج استراتيجيات خاصة تحترم اهتمامات الطفل واستيعابه للغة أجداده وتحببه وترغبه فيها . 
   لاَ نَجِدُ استراتيجيات غربية كثيرة متطورةٌ في تعليم العربية ، وظروف الحياة الغربية وطبيعة إيقاعها اليومي . يجب الأخذ بعين الاعتبار استراتيجيات التدريس التي تتلاءم مع الواقع ، وتستغل التكنولوجيا المعاصرة ، وتقوم بتطوير الأساليب والطرائق التي تنهل من المعلوماتية ، والوسائل السمعية المرئية ، وتطبيقها في مجال التعليم . يمكن تسجيل النصوص اللغوية المنهجية على ملفات الكترونية ، ووضعها في جهاز MP3) ) ليستفيد منها الطالب أثناء تنقله في وسائل المواصلات ، وكذلك استخدام شاشة العرض الكبيرة ( data show ) لشرح الدروس المقررة ، واستعمال بعض الأفلام التربوية ، والاستفادة من البرنامج المعلوماتي الضخم لتدريس العربية الذي أنتجته شركة ( ( Auralog المتخصصة في صنع برامج تعليم اللغات ، وقد تم تصميم هذا البرنامج بطلبٍ من إحدى الجامعات الأميركية التي تُدرّس اللغة العربية.
   لاَ بُدَّ من تشكيل هيئة علمية لغوية تتكون من المتخصصين والكفاءات العلمية العالية لتكون مرجعاً أكاديمياً لعلوم اللغة العربية وآدابها ، وأصول تدريسها في البلدان الغربية ؛ أي ما يشبه مجمعاً لغوياً مصغّراً . وهذا يتطلّب تضافر الجهود بين عدة مؤسسات ، ومنظمات ، وفاعليات وإمكانياتٍ ....
حواجز واستشرافات لغد عربي أفضل 
     تُعَدُّ العربية خامس لغة في فرنسا من حيث التّعليم العالي ، ومن حيث العددُ بعد الإيطاليّة وقبل الصّينيّة .
     لَقَدْ بلغ عدد الطلاب الذين يدرسونها في المؤسسات الرسمية الفرنسية ، والمعاهد والجامعات ما بين 6000 إلى 8000 بين تلميذ وطالب بما فيه Le CNED ، والتّعليم الخاصّ . يوجد خارج هذا الإطار الرسمي حوالي عشرة آلاف طالب يدرسون العربية ، لكن المشكلة اليوم تكمن في ترجمة هذا الفكر على أرض الواقع ، وتعلم العربية بدقة ، وتطوير القدرات الإبداعية للأطفال ونشاطاتهم الفكرية والاجتماعية من أجل خلق المواطن الصالح المبدع المتقن لأكثر من لغة واحدة . 
  لِذَلِكَ ، فإنه من الضروري دراسة المشاكل النفسية ، والثقافية ، والاجتماعية واستراتيجيات التدريس عند أبناء المهاجرين ، لأنهم يمثلون الأغلبية في القطاعات المقبلة على تعلم اللغة العربية . يجب دراسة الموضوع دراسة علمية من طرف المتخصصين في مجال التربية والتعليم .  
      لَقَدْ تزايد اهتمام الآباء بتعليم أبنائهم اللغة العربية ، لأنها تمثل هويتهم النفسية ، والاجتماعية ، والثقافية ، وتجعله يتمكن من إثبات الذات ، ولغة البيئة التي يعيشون فيها باعتبارها لغته الأم .
  لاَبُدَّ من برمجة اللغة العربية مثل غيرها من اللغات الحية في كل المدارس والثانويات والجامعات الغربية ، ودعم تدريسها .
    يَقُومُ بالتدريس في أقسام اللغة العربية بالبلدان الغربية مستشرقون يجيدون كثيرا من فروع هذه اللغة  ، ويبدعون في مقاربة النصوص القديمة ، ويعرفون جيدا المخطوطات المتوفرة في جامعاتهم ، كما تم استقدام أساتذة زائرين من الجامعات العربية لحل مشكلة المحادثة بهذه اللغة ، أو بتعيين بعض العرب المتخصصين المقيمين في الدول الأوروبية. 
   يَرَى بعض المستشرقين أنه لابد من تعلم الطلاب إحدى اللهجات العربية ، حتى لا يتعرضوا للصدمة ، خاصة حينما يزورون دولة عربية ما ، ويجدون أن العرب لا يفهمون لغتهم الفصحى ، وإذا فهموها لا يستطيعون التحدث بها ، وغالبًا ما يتعلم الدارسون اللهجات المصرية أو السورية أو المغربية .
    لَقَدْ شهدت أقسام الدراسات الإسلامية واللغة العربية في البلدان الغربية إقبالاً غير مسبوق ، خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حيث أراد كثير منهم فهم ما حدث ، وآخرون فكروا بطريقة عملية ، ووجدوا أن هذه الدراسة ستفتح لهم فرص العمل في الإعلام الذي يحتاج إلى مراسلين في الدول العربية ، والقنوات الإذاعية والتلفزيونية ، والمواقع الإخبارية الموجهة للعالم العربي، وآخرون اعتبروا أن إتقان اللغة العربية يساهم في حصولهم على وظيفة في السلك الدبلوماسي، أو في الشركات الصناعية العملاقة التي لها فروع في الدول العربية ، أو في الأجهزة الأمنية التي تحتاج إلى من يتقن هذه اللغة.
   لاَ تَقْتَصِرُ دراسة اللغة العربية في الجامعات الغربية على فهم النصوص والتحدث بدرجة متوسطة ، بل نجد أقساما أخرى لدراسة الترجمة الفورية من العربية وإليها ، مثل كلية اللغات التطبيقية والدراسات الثقافية في جرمرسهايم بجامعة ماينز الألمانية ، وهي من أفضل أماكن تعلم الترجمة الفورية على مستوى أوروبا بأكملها ، حيث يتوافد عليها الطلاب من مختلف دول العالم . تسمى هذه المؤسسات في ألمانيا باسم (الجامعات الشعبية) ، كما نجد دورات متعددة ودائمة للغة العربية تهم المبتدئين، والمتقدمين ، ودورات أخرى للمحادثة ، وأخرى للمسافرين إلى إحدى الدول العربية ، حيث يتعلمون المفردات الشائعة ، والجمل التقليدية ، علاوة على تعلم العادات والتقاليد ، وملامح ثقافة هذا البلد . هناك أيضا دورات مكثفة في نهاية الأسبوع ، وتستمر يومين من بعد ظهر يوم الجمعة ، و مساء يوم الأحد ، ويتم فيها تعلم الأبجدية ، وأهم الجمل البسيطة ( التحية والوداع، والسؤال عن الاسم والطريق، والسؤال عن الثمن، والسؤال عن الحال، والإجابة على كل هذه الأسئلة).
 

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية