في محاضرته التي ألقاها الدكتور هايل الطالب في المركز الثقافي بحمص تحت عنوان " التعبير عن المحظور في اللغة العربية في ضوء اللغويات الاجتماعية أشار في بدايتها أن اللغة ظاهرة اجتماعية تتأثر معانيها ومبانيها بالمجتمع اللغوي الذي تتشكل فيه وهي مرآة ينعكس فيها كل ما يسير عليه الناطقون بها في شؤونهم الاجتماعية الخاصة والعامة .
وأوضح أن دراسة الحظر وأساليب التعبير عنه إحدى موضوعات البحث في علم اللغة الاجتماعي ، والهدف من ورائه التوصل إلى تحقيق التواصل بين أفراد المجتمع بأرقى صوره ، وترتبط ظاهرة المحظور اللغوي بظاهرة التلطف وهي إبدال الكلمة أو العبارة المحظورة بكلمات أو عبارات مقبولة في المجتمع اللغوي .
وبيّن أن دراسة ظاهرتي المحظور والتلطف في العربية مازالت خجولة جداً سواء أكان على صعيد العمل المعجمي أم على صعيد الدرس اللغوي الاجتماعي .
بخلاف ما يلاحظ في اللغات الأخرى كالانكليزية مثلاً التي قدمت فيها معاجم تعنى بالتلطف .
ثم تحدث المحاضر عن استخدام التراثيين لمصطلح الكناية مقابل مصطلح المحظور للدلالة على المحسن أو الملطف للمحظور .. بينما استخدم المحدثون مصطلحات عدة دالة على المحظور أشهرها المحظور ، والمستهجن والمحرم ..الخ.
بعد ذلك انتقل للحديث عن المحظور اللغوي عند الثعالبي الذي عني به في كتبه المختلفة وبين أن أسباب الحظر اللغوي عنده تعود إلى أن بعض الكلام لا يليق التفوه به في العرف الاجتماعي لتعبيره الصريح عن معنى محظور تنفر منه الطباع وتنكره الأذواق لما يسببه من حرج معنوي أو خوف أو تقزز عند التحدث به حيث تحظر اللغات استعمال بعض الكلمات لما لها من إيحاءات مكروهة لدلالتها الصريحة على ما يستقبح ذكره.. وقد أدرك الثعالبي ذلك وأسماه التحرز عن ذكر الفواحش وتحسين القبيح.
كما أوضح أن من أسباب الحظر عند الثعالبي مناسبة المقام إذ يحظر في المناسبات الرسمية كالقضاء والرسائل وماشابه استعمال الألفاظ الصريحة الجارحة أو غير المهذبة ، أو التي لا تناسب مقام مرسلها ومركزه الاجتماعي .
كما عرج على أشكال التعبير عن المحظور موضحاً أن التعامل معه لا يتعدى طريقتين الطريقة الأولى خاصة بالفرد بمعنى أن الموقف اللغوي يتطلب من الفرد أن يتجنب في مواقف معينة خاصة به بعض المحظورات اللغوية التي فرضها عليه الموقف وهنا يبرز ذكاء المتكلم وسرعة بداهته ..
أما الطريقة الثانية فهي المحظورات المرتبطة بالجماعة اللغوية وصارت عرفاً عاماً ، قد يدل تجاوزه على عدم لياقة أو على تعد على العرف الاجتماعي.. فمن آداب المجتمع أنه يكره التلفظ ببعض المفردات أو يستقبحها ،فيلجأ إلى استخدام ألفاظ بديلة عنها .
وأكد أن الطابع الفردي للغة والطابع الجماعي تحكمها آليات وأشكال مشتركة في التعبير عن المحظور بأسلوب ملطف ، لم يذكرها الثعالبي بطريقة مباشرة لكن يمكن أن نستنتجها من السياقات المختلفة في كتابة " الكناية والتعريض " وأهمها :
- التعبير عن المحظور من خلال تشفير الدلالة وتعتمد الذكاء والفطنة من الملتقي الموجه إليه الخطاب لفهم المراد منه .
- كراهة ذكر اللفظ تؤدي لاستبداله بما يقرن به وما يدل عليه تلطيفاً له .
- التعبير عن المحظور من خلال التلميح وترك التصريح.
- التخلص من المحظور بذكر ضده.
- التعبير عن المحظور بذكر حرف من حروف الكلمة .
- التعبير عن المحظور بالاشارة إلى صفة من صفاته.
- استبدال اللفظ المباشر الدال على الحُرم بألفاظ وتراكيب غير مباشرة دالة على الاحترام واللياقة الاجتماعية .. والحُرم تعني أقارب الرجل من النساء.
- ترك اللفظ المتطير من ذكره إلى ما هو أخف وقعاً منه وهذا ما يظهر في الكنايات عن المحظورات المتعلقة بالموت والمرض وما يخاف منه الإنسان .
- التحرز عن ذكر الفواحش السخيفة بالكناية اللطيفة وفي ختام المحاضرة أوضح الدكتور هايل الطالب أن دراسة كتاب الثعالبي والكتب الأخرى.
التي يمكن أن تندرج في الباب ذاته يمكن أن تعد خطوة أولى وضرورية باتجاه صناعة معجم لغوي للمحظورات في اللغة العربية وطرق التلطف في التعبير عنها ، إذ يمكن أن يسد هذا المعجم القصور في جانب الدراسة الاجتماعية للغة العربية باعتماد مصطلحات دالة على هذا الجانب الاجتماعي وتساعد في جوانب عديدة منها تعليم العربية للناطقين بغيرها ، مع الإشارة إلى أنه من الأفضل صناعة معاجم متخصصة للتلطف والمحظور كما فعلت اللغات الأخرى .