أ. يوسف القبلان
قررت وزارة التربية والتعليم في فرنسا تدريس اللغة العربية في مدارسها ابتداء من المرحلة الابتدائية من الموسم الدراسي المقبل لتكون متاحة لاختيار الطلاب كلغة أجنبية ثانية.
هذا القرار ليست العاطفة ضمن حيثياته. هو قرار ثقافي ينشد التنوع، وبناء الجسور والعلاقات العلمية والعملية مع الدول والثقافات الأخرى، وهذا باب لا ينفتح إلا بمفتاح اللغة. وهناك من عارض القرار من النواب، وهذا أمر طبيعي بحجة أن هذا الاتجاه يمثل خطراً على اللغة الأم. أما في نظر المتطرفين اليمينيين فهي -يا للعجب- خطوة تعزز الطائفية وتقوض الترابط الاجتماعي. هذا اعتراض لا يتفق مع المنطق والواقع.
في المملكة كنا ولا نزال ندرس اللغة الإنجليزية في مدارسنا، وكنا ندرس اللغة الفرنسية في المرحلة الثانوية ثم ألغيت لأسباب نأمل أن تكون قد انتفت. لا يوجد خلاف على أهمية تعلم اللغات الأخرى، والرأي يتعدد حول المرحلة التي يبدأ فيها تعليم اللغة الأجنبية، وبعد نقاشات علمية وتربوية وثقافية، وتجارب عملية تقرر البدء بتدريس اللغة الإنجليزية ابتداء من الصف الرابع الابتدائي. هذا التوجه يعبر عن الثقة بلغتنا وثقافتنا، وفي نفس الوقت يعبر عن القناعة بأهمية تدريس اللغات الحيوية في سن مبكرة. وقد صدر بهذا الشأن قرار من مجلس الوزراء ينص على أن يكون تدريس اللغة الإنجليزية بدءاً من الصف الرابع من المرحلة الابتدائية "بنين وبنات" مادة أساسية ينطبق عليها ما ينطبق على المواد الأخرى وذلك ابتداء من العام الدراسي (1433/ 1432) وذلك بشكل تدريجي. وكلف القرار وزارة "التربية والتعليم" بالرفع إلى مجلس الوزراء للنظر في تدريس اللغة الإنجليزية في مرحلة مبكرة -قبل الصف الرابع- حين تتوفر للوزارة الاستعدادات الضرورية والكفايات اللازمة لذلك.
من هنا أقترح على الوزارة تقييم التجربة السابقة بعد تطبيقها بمدة كافية، قبل الانتقال إلى مرحلة تدريس هذه اللغة في مرحلة مبكرة بهدف التوصل إلى البرنامج الأمثل الذي لا يشكل خطراً على اللغة الأم. إلى جانب توفير العدد الكافي من المعلمين الأكفاء لتدريس المادة.
إننا لا نحتاج إذن في هذا المقال إلى الحديث عن أهمية تعلم اللغات الأجنبية. هذه قضية محسومة. اللغة أقوى وأكثر تأثيراً من الجسور الإسمنتية. قد تصل بالجسر الإسمنتي إلى بلد بعيد خلال دقائق ولكنك بدون لغة لن تصل إليه إلا بعد سنوات أو لن تصل إليه على الإطلاق حتى لو كنت تعيش فيه.
سياسة الابتعاث لدول مختلفة حققت لنا شيئاً من التنوع والإثراء ستنعكس إيجابياً في مجالات العمل المختلفة، والعلاقات العلمية والثقافية مع الدول الأخرى.
وزارة التعليم تدرك بالتأكيد أن نجاح تدريس اللغات الأجنبية هو جزء من كل وأن النقلة النوعية في التعليم بشكل عام إذا تحققت فهذا سيكون نتيجة لتطور كل عناصر العملية التعليمية، من حيث الإدارة وتوفير المعلمين الأكفاء، وتطوير المناهج، وطرق التدريس وبيئة التعليم المناسبة التي تنمي شخصية الطالب بكل جوانبها. هذا التطوير الشامل سينعكس إيجابياً على تطوير الأداء في تدريس كافة المواد ومنها اللغات الأجنبية.
الرياض