للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي الحادي عشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

المؤتمرات العلمية العربية أخرس يؤذن في مالطا

د. مصطفى أحمد قنبر

 يحتل البحث العلمي مكانة مرموقة في استراتيجيات الدول المتقدمة، وترصد له الميزانيات الضخمة دعما وتشجيعا واستقطابًا للكفاءات البحثية من شتى بقاع المعمورة. 

والبحث العلمي مهمة رئيسية من مهام الجامعات والمراكز العلمية، وتُعد المؤتمرات العلمية والندوات بشتى مساحاتها وطنية أو دولية الميدان الرحب الذي تعرض في البحوث العلمية لمناقشتها وإصدار التوصيات الخاصة بتطبيقاتها وكيفية الإفادة المجتمعية منها. وكم من خطط في مجالات التنمية المختلفة كانت البحوث العلمية الموجه لها! وكم قرارات اتخذت من جانب صناع القرار كانت نتاج بحوث علمية رصينة. لكنَّ الوضع في عالمنا العربي غير ذلك، والحديث في هذه القضية ذو شجون، فواقع المؤتمرات العلمية في جامعاتنا ومراكزنا العلمية مليء بالتناقضات التي تؤشر إلى المستوى المتدني الذي وصل إليه حال البحث العلمي في عالمنا العربي، وهذا لصيق الصلة بالمستوى الذي عليه حال جامعاتنا العربية مما أخرجها من قوائم تصنيفات عالمية عدة في مقياس جودة التعليم الجامعي. ومن هذه التصنيفات تصنيف جامعة «جياو تونغ» الصينية في شنغهاي لعام 2015، الذي ضمّ 500 جامعة وخرجت نتائجه لتؤكد على تصدر الجامعات الأمريكية تلتها الجامعات البريطانية، لكن الأمر الذي كان لافتا في هذا التصنيف هو ورود اسم جامعة الملك سعود السعودية وحيدة ضمن المئة جامعة الأولى في التصنيف.
وسنحاول رصد أبرز هذه التناقضات التي تعد سمة من سمات المؤتمرات العلمية العربية: 
العناوين الكبيرة الفضفاضة: فبينما تحدد المؤتمرات العلمية في الجامعات المتقدمة موضوعاتها بدقة وتطرح محاور محددة تخدم عنوان المؤتمر ولا تحيد عنه، نجد في بعض مؤتمرات جامعاتنا طرحا لموضوعات كبيرة وفضفاضة لا يمكن لعشرات المؤتمرات أو الندوات أن تغطيها، وبالتالي تخرج الأبحاث هنا مبتورة ومتباعدة ربما لا يجمع بينها سوى أنها ألقيت في مؤتمر واحد؛ مما يثير الشكوك حول الهدف العلمي المعلن من وراء عقد مثل هذه المؤتمرات ولا ننسى التغطيات الإعلامية وما يصاحبها من هالات، خاصة إن شرف المؤتمر مسؤول رفيع. إحدى الكليات تطرح العنوان الآتي لمؤتمرها الدولي «الاتجاهات التراثية والمعاصرة في العلوم الإنسانية»، وفيه تسعة محاور كل واحد كفيل لأن يخصص لمناقشته مؤتمر كامل.
لكننا في المقابل ــ والحق يقال ـ نجد مؤتمرات أخرى واضحة العنوان محددة المحاور وفي دول وجامعات عربية أيضا. 
مناقشة البحوث: دائما ما يعلن أن المؤتمر طيلة أيام انعقاده سيناقش بحوثا في عدة جلسات رأت اللجان العلمية القائمة على المؤتمر جودتها، وتخرج الورقة التعريفية بالمؤتمر محددةً جلساته وقد توزعت البحوث عليها، مخصصة لكل جلسة وقتًا محددًا يقسم بين أصحاب هذه البحوث. ويعرض كل باحث بصورة سريعة ومبتورة لموضوعه ثم تترك مساحة قليلة من الوقت (إن وجدت) لتعقيبات الحضور ثم ردود أصحاب البحوث عليها. وهنا نتساءل هل بهذا تكون قد تمت مناقشة البحوث المقدمة في هذه الجلسات ذات الوقت المحدد؟ أليس من الأجدر أن يدفع بالبحوث إلى الحضور من المتخصصين أو المعنيين أولا، ثم تخصص الجلسات فقط لمناقشة أصحاب البحوث في بحوثهم، كما يُصنع في مناقشة الأطروحات العلمية (الماجستير والدكتوراه). هنا تصدق فعلا مقولة ناقش المؤتمر عدة بحوثٍ في جلساته.
اختيار البحوث المشاركة: جرى العرف في المؤتمرات والندوات أن تشكل لجان علمية متخصصة تناط بها دراسة الأفكار الأولية التي يتقدم بها الباحثون للمشاركة في محاور المؤتمر، ثم يتم التواصل مع أصحاب الأفكار المقبولة لمعالجتها وإخراجها في صورتها النهائية، ثم تعرض البحوث على اللجان العلمية لإبداء الرأي حول مشاركة هذه البحوث أو الاعتذار لأصحابها. وتضع الهيئة المنظمة مواعيد لكل مرحلة من هذه المراحل. ولكن قلمَّا يلتزم هؤلاء بما ضربوه من مواعيد، ثم تفاجأ بما لم يكن في الحسبان أن المؤتمر أُجل لموعد غير مسمى، ثم بعد ذلك يلغى المؤتمر.
ولا نعدم في اللجان العلمية عنصر المجاملة في تخير بحث ما إن كان صاحبه من ذوي الأسماء التي لها دويٌ إعلامي، أو يمت بصداقة أو بزمالة لأحد أعضاء اللجان المنظمة للمؤتمر طمعًا في جني مكاسب مادية أو معنوية، خاصة إن كانت الجهة المنظمة للمؤتمر قد تعهدت بتحمل كل نفقات المؤتمر من البداية حتى النهاية. وقد يتسامح مع بعضهم عندما يقدم بحثًا غير مكتمل لعذر ما؛ رضى بما يقوم به صاحبه من سد للفراغ في جلسة ما أو ..أو…
نشر البحوث: لم يعد النشر الآن معضلة بعد التقدم التقني الذي نعيشه، فقد أضحى النشر الإلكتروني سهل المنال؛ لما يتميز به من السرعة والانتشار الواسع لكل متصل بالشبكة العنكبوتية، بل إن بعض المؤتمرات تنشئ مواقع لها تبث عبرها وقائع المؤتمر، وتضع فيها بحوث المؤتمر وأوراقه، لكنها، وهذا جزء مهم من المسؤولية العلمية، لا تنشر ما أثير من مناقشات لبحوث المؤتمر في جلساته المتعددة. ولكنْ غير قليل من الجامعات وربما الأكثرية لا يمكنك أن تطلع على شيء من بحوث مؤتمراتها لا في كتاب ورقي ولا بصورة الكترونية، وإن حدث فبعد مرور وقت يفقد فيه الباحث المتابع شهيته لما يتطلع إليه من معالجة لقضية ما تخص اهتماماته العلمية، وبذا تفوت الفرصة على طلاب الدراسات العليا في مطالعة هذه البحوث التي قد تضيف أو تعدل من مسارات أطروحاتهم البحثية.
مصير توصيات ونتائج البحوث: وتلك هي الطامة الكبرى والمحزنة للمؤتمرات والندوات في عالمنا العربي، فما إن تشارف أضواء المؤتمر على الأفول، حتى تتجمع البقية الباقية من المشاركين في المؤتمر التي لا تقارن بمن اكتظت بهم مقاعد الجلسة الافتتاحية، بمن فيهم من ممثلي وسائل الإعلام التي حجزت مساحة في صفحاتها لنشر ما يعلن من توصيات ونتائج، ثم ينصرف الجميع، وتأخذ الوريقات الثلاث أو الأربع التي خطت فيها توصيات المؤتمر طريقها ليس إلى دوائر صنع القرار، أو إلى المهتمين بالشأن الذي عالجته بحوث المؤتمر، بل إلى مكانها اللائق بها في ملف بحوث المؤتمرات في الكلية أو الجامعة أو المركز بجانب شقيقاتها من الملفات الأخرى، كدليل من الأدلة التي تعزز مكانة الجامعة وتبرز إنجازاتها. 
وربما كان مقررو المؤتمر من أصحاب النوايا الحسنة، فنراهم يعيدون على الأسماع بعض التوصيات لمؤتمرات سابقة؛ لأنها لم تُعَر أي اهتمام ممن وجهت لهم التوصيات. أذكر أن إحدى الجمعيات الأهلية المختصة بحماية اللغة العربية عقدت عدة مؤتمرات دولية لها في العقد الأخير من القرن الماضي، وقد استطاعت أن تجعل جلساتها في مقر جامعة الدول العربية في القاهرة، وفي كل مؤتمر يحضر بعض المسؤولين والممثلين للدول العربية وتصدر توصيات مباشرة ومحددة لحماية اللغة العربية والعناية بها تعليما وإعلاما وبحثا، وينفض المؤتمر ثم يعود للانعقاد مرة أخرى من دون أن تُحرر أي من توصياته السابقة من قَيد الكتابة وتأخذ طريقها إلى الترجمة الفعلية. وكم من مرة يجهر الكثيرون في أمثال هذه المؤتمرات بأن المسألة ليست بأيدينا، وأن الموضوع يحتاج إلى قرار سياسي. 
وبعد فتلك حال كثير من مؤتمراتنا وندواتنا العلمية، ربما يتهمني البعض بالمبالغة، وربما يتفق معي آخرون في كثير من النقاط، ولكن لابد من إلقاء الحجر ليتحرك الماء الراكد، ويخرج الأخرس من عقال لسانه ليُبين، ويؤذن ليس في مالطا بل بين أهله فيسمعونه ويجيبون النداء، وعسى أن ذلك يكون قريبا.
 

القدس العربي

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية