للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  المؤتمر الدولي الحادي عشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

اللغة العربية لمواجهة الإرهاب

أ. لبنى الهاشمي

 اللّغة العربيّة هي الهويّة التي تحدد موقع الإنسان العربي من نفسه، ورؤيته لهذا العالم، بخاصة في المرحلة الدقيقة التي يمرّ بها الراهن العربي، حيث جرّد الإسلام من كلّ القيّم العربية والحضارية التي كرّسها في الفكر الإنساني في حقبة خلت.

لهذا يعتبر تفعيل دور اللغة العربية تعميقًا لدور الثقافة باعتبار مشكلاتنا الحاصلة تكمن في قصور لغوي وثقافي وأوصلنا إلى مشكلات دينيّة، مثل بعث الفتنة الطائفية، واتّباع والأحادية الفقهية، والانتقائية في التعامل مع التراث الديني، وعدم القبول أو الانفتاح على المرجعيات الأخرى.

إنّ إشاعة التنوير بمشروعات النهضة للغتنا العربية لا تأتي إلا بالرهان على المثقف العربي الحرّ الذي يمثّل لغته وهويته وأصالته، أولئك هم المتحرّرون من كلّ تيار حزبي أو مذهب ديني أو توجه سياسي، فعن طريق إحياء أدوار اللغة العربية في مجتمعاتنا وتفعيلها سيتحقق لنا الارتقاء بمكونات الثقافة العربية، ومن اللغة العربية السليمة نستطيع فهم الدين الصحيح، ومن ثم الاعتدال والوسطية المنشودة، وحماية الأجيال من أفكار الغلو والتطرف، لا سيما أنّ تهميش الدور الثقافي في حياة الأمم يؤدّي إلى تحويله إلى بؤرة صراع وتناحر.

حينما انفصلت طريقة تديننا عن المشاركة والتفاعل مع الثقافة العربية بكل ما تحمله من موروث أدبي وفكري متنوع، أصبحت مجتمعاتنا بيئة حاضنة للإرهاب، والمعضلة في الاتجاهات الإسلاميّة حينما حوّلت أمّتنا العربية هويتها إلى أجزاء من طوائف أو مذاهب ونحل شتى، ما ساعد على التفتت والفرقة، إذ تسعى كلّ الفرق المختلفة للبحث في الموروث عمّا يدعم توجهها العقدي، والقضاء على كثير من مميزات الموروث الثقافي العربي بكل أطيافه واختلافاته، وجعله أدوات أو وسائل يخدم مشروعها الطائفي أو السلفي المتطرف.

للقضاء على التطرّف نحن بحاجة إلى أطروحات بديلة تواجه الإرهاب، والبديل هو إحياء مكانة اللغة العربيّة بكل مصادرها الإنسانية، وبعث الإنتاج الفكري والروحي الذي حاول التكفيريون تهميشه وتفسيره بأنه أدب وشعر غير إسلامي، أو إلصاق التهمة بالفكر داخل هذا الموروث بأنه فكر الخوارج والزنادقة والمبتدعة.. الخ، وعدم الاعتراف بالعقول العربية والأدبية والمعرفية المؤثرة عبر التاريخ التي تختلف معهم في العقائد، بل التقليل من آثارها وقيمتها، التي لها مكانتها واحترامها من الشعوب المسلمة عبر التاريخ، وجعلوا من النقاء الثقافي شرطاً في التفاعل مع الآخر مع أنّ الحضارة الإسلامية في فترات ازدهارها كانت على علاقات وثيقة بالثقافات الأخرى مثل اليونان والهند والصين، إذن كيف سيتم رفد وعاء اللغة ومفرداتها بمعانٍ ودلالات واسعة ما دام هناك إقصاء متعمد؟ بالإضافة إلى ذلك، تحتاج اللغة إلى التسامح لكي تنمو وتحيا.

تعدّ اللغة العربية إحدى المحددات الحيوية للهوية، والحفاظ على أمتنا من التمزق والتشرذم لا يتم إلا بالعربية. لا وعي ولا تقدم من دون لغة حيوية تحرك الراكد. إنّ اللغة هي المحصلة النهائية التي تجعل مجتمعاً ينتهج سلوكًا معّينًا أو يفكّر بالطريقة التي يتصرّف بها، إذن من البديهي أن تتعرّض الأمة لداء العصر، الإرهاب والعنف والتشدد، ومن دونها كيف يتسنّى لنا تدبّر معاني القرآن والسنة النبوية المطهرة على الوجه الصحيح؟. نحن حقاً نعاني من معاول هدم فكرية أساسها أقرب إلى لغة عربية قاصرة عن فهم الدين أو التفسير الصحيح لمقاصد الشريعة والنصوص التي تحمل مدلول ثقافة لغويًّا ضاربة جذورها في عمق التاريخ، أو فهمًا ضاربًا في التخلّف والجهل بإرث اللغة الأصيلة، ما أدّى بنا إلى التزمُّت في التديّن الذي جلب للأمّة ثقافة منكفئة على نفسها، وإقصاء للحرية الفكرية المخالفة، فالإرهاب يهدّد كلّ منافذ الأمل والمستقبل والحياة، واللّغة العربيّة الصحيحة هي المفتاح إلى فهم الدين الصحيح، والثقافة الإسلامية السمحة.

في عدة مواضع مدح فيها الله نزول القرآن عربياً، لكونه هدىً وشفاء للمؤمنين، ولينذر الظالمين ويبشر المحسنين، فلغتنا تحمل هذه المناقب الروحية والأخلاقية، وتراجع العربية وتدهورها وشيوع الإرهاب والتطرف نابع من فرقتنا وعدم وسطيتنا وفهمنا في الدين؛ حيث إن العربية من الدين، وفهم الكتاب والسنة فرض عين، ولا يفهمان إلا بالعربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. قال الإمام الشافعي في معرض حديثه عن الابتداع في الدين «ما جهل الناس ولا اختلفوا إلا لتركهم لسان العرب». قال الحسن البصري في المبتدعة: «أهلكتهم العجمة».
 

24

التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية