للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  دعوة للمشاركة والحضور           المؤتمر الدولي العاشر للغة العربية           موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

أدب الشباب بين الحضور والغياب

د. رزاق محمود الحكيم

    أصبح أدب الشباب مصطلحاً نقدياً يمثل حركة ثقافية وإبداعية ، لجيل أدبي هو جيل الشباب فهل إن مصطلح أدب الشبـــاب هو مصطلح نوعي يتعلق بإبداعـات الكتـــاب من ذوي الأعمار اليافعة  والتجارب الجديدة ؟ أم إنه يمثل جيل الحداثة الأدبية والتجديد ؟ وهل هناك أدب للشباب وأدب للشيوخ ، وأدب للرجال ، وادب للنساء ؟ كل هذه الأسئلة تواجهنـا ونحن نطرح مصطلح أدب الشباب ، لنستجلي الجوانب الخفية الكامنة وراء هذا المصطلح .
    يبدو لنا أن المسيرة الأدبية للكاتب تأخذ أشكالا متنوعة بتنوع التجارب ، وطبيعة المعارف المكتسبة ، واختلاف الأجواء الثقافيـــة بين منطقة وأخرى ، أو بين مجتمع وآخــر ، وعلى أية حال فإن قصر عمر التجربة الأدبية يجعلنـــا نصفها بالشبابية والفتوة ، وهي مرحلة متميزة في حياة كل أديب أو كاتب،فبداية الممارسة الإبداعية إذاً تعني إنها لازالت في طور النشوء والنمو والتدريب والتمرين ، والاكتساب والتحصيل ، وعلى قدر المخزون المعرفي والتحصيل العلمي تكون التجارب ، وتتوضح معالم هذه الظاهرة التي تسمى " أدب الشباب " .
    عـــادة ماتكون هذه التجربة الشبابيــة في فترة الشبــــاب والفتوة ، حيث تتفتـــح المواهب ، وتظهر الميول والرغبات ، فيندفع الشباب إلى كتابة النص الأدبي ، سواء كــان نصاً شعرياً أو قصصياً ، أو نقدياً ، وغالباً ماتتميز النصوص الأدبية الشبانية بظاهرتين متناقضتين : الظاهرة الأولى : ظاهرة التقليد ، وتمثل هذه الظاهرة فئة من الشباب الذين ينبهرون بكاتب ، أو شاعــر أو روائي، فيندفعون إلى محاكاته ، وتقليده في أفكاره ومواقفه ، بل وفي صوره الفنية وتراكيبه ، ثم لايستطيعون التخلص فيمابعد من أسـر التقليد نظراً لكونهم لايقرؤون إلا له ، ولا يحفظون إلا له ، ولا يعجبون إلا به ، والسبيل الوحيـــــد للتخلص من هذه التبعية الأدبية ، أو هذا المسخ التعبيـري ، والنسخ الإبداعي ، هـــو تنويع القراءات ، وسعـــــة الاطلاع على التجارب الأدبية من مختلف الأعمار والتخصصات والمذاهب والأساليب ، وحينئذ يكتسب هؤلاء الشباب قاعدة ثقافية يمكن الاعتماد عليها ، والانطلاق بعد ذلك في كتابة النصوص الإبداعية .
    أما الفئة الثانية فهي تمثل أولئك الشباب الذين انبهروا بالثقافات الأجنبية ، وقد يبالغ البعض منهم في الغلو والتطرف ، فيرفضون الإرث الثقــــافي العربي جملة وتفصيلا ، وينفتحون على التجارب الأدبية الأجنبية ، معتقدين أن ذلك الانفتاح ، أو الانفلات هو عين الصواب ، وانهم لا يستسيغون القواعد الأدبية للجيل السابق عليهم ، فيقعون في أســـر التقليد أيضاً ، لأن التقليد هو التقليد ، سواء قلدنا التجارب الأدبية العربية القديمة ، أو قلدنا التجارب الأجنبية الحديثة ، وإذاً فماذا ينبغي على الشباب أن يفعلوه لإثراء وتنمية مواهبهم الأدبية ؟
    لاشك أن اكتساب المهارات الأدبية يحتــاج إلى وقت ، ومراحل تنمو فيها القدرات وتتطور شيئاً فشيئاً ، ومع سعـــة الاطلاع وإعادة النظـــــر في المواقف وتصحيحها ، تتبلــور المواهب وتتعمق التجربة ، فالإبداع مرحلة متأخرة في عمـــــر التجـربة الأدبية ، إذ لايتمكن الكاتب في فترة الفتوة وصغر التجربة الأدبية أن يكتب نصاً إبداعياً راقياً . إن قريحة المبدع تشبه  إلى حد كبير الشجرة التي لاتثمر إلا في في أوانهـــــا وبعد مرور عدة سنوات، وهكــذا فإن الإبداع هو  هو ثمرة هذه التجربة الأدبيـــــة ، يأتي بعـــــد سلسلة من التجارب ، والممارسات والقراءات ، ولايزال الأديب يواصل القــــــراءة ، ويعمق تجاربه في الحيـاة والناس ، ويعيد النظــــر في نصوصه ومواقفه ، ويقوّم نفسه ، ويصقل موهبته إلى أن يصل إلى مرتبــة متقدمـــة في الفن .
    وعلى أية حال فإن آفة التجربة الأدبيـة الشبانية هي النرجسية ، فإذا أصيب الأديب بالغرور ، وأحس بالعنجهية والزهو أغلق أذنيه عن سماع غيره ، وعينيه عن قراءة ومتابعـة النصوص الإبداعية لأدباء من جيله، أو من الجيل السابق ، وإذا فعل ذلك فقد حكم على موهبته بالجمود ، وإبداعه بالسطحية والتكرار ، ولازال الأديب المبدع يقـــرأ ويطلع ، ويتــــابع ويفهم ويستفهم ، فيضيف إلى نصوصه الإبداعيــــة إضافات جديدة ، ويلون صوره الفنيـــــة تلوينات وإضاءات تكشف للقارىء عوالم ممتعة ومشوقة ، إلى أن يصل بفنه إلى مرحلة يتحول فيه إلى ناقد ، فلا يرضى عن أي نص يكتبه ، فليست العبرة في أن يكثر من الكتابة كما كان في السابق ، ولكنه الآن يرغب في أن يقدم  شيئاً جديداً يرقى إلى مستوى الفن والأدب والإبداع .


التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2024
المجلس الدولي للغة العربية